الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعفو بالفعل أقرب للتقوى - كما ذكرت الأخت السائلة - ولا يقتصر ذلك على مستحق العفو من الجناة، وإنما يكون العفو طلبًا لرضا الله، وثواب الآخرة، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ {المائدة: 45}.
ولعل أهل الجاني فجعوا وشغلوا بوفاته.
وعلى أية حال، فحق السائلة له شقان:
الأول: ما يتعلق بما أصاب بدنها من جراح، وهذا فيه حكومة عدل، يقدرها أهل الاختصاص، ومعنى الحكومة في أرش الجراحات التي ليس فيها دية معلومة: أن يجرح الإنسان في بدنه مما يبقى شينه، ولا يبطل العضو، فيقدر الحاكم أرشه ـ كما قال الأزهري في تعليقه على حديث: في أرش الجراحات الحكومة.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه لا يجب أرش مقدر في سائر جراح البدن، باستثناء الجائفة، وإنما تجب فيها الحكومة، وذلك لأنه لم يرد فيها نص من الشرع ويصعب ضبطها وتقديرها. اهـ.
وإذا قدرت هذه الحكومة بثلث الدية فصاعدًا كانت على عاقلة الجاني.
وأما ما دون الثلث فيكون من مال الجاني خاصة، وتخرج من تركته بعد وفاته؛ لما رواه البيهقي في السنن الكبرى عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: لا تعقل العاقلة، ولا يعمها العقل إلا في ثلث الدية فصاعدًا.
وراجعي للفائدة الفتوى: 178921.
وجاء في الموسوعة الفقهية: إذا لم تكن العقوبة متعلقة بشخص الجاني، بل كانت منصبة على ماله، كالغرامة، والمصادرة، فموت الجاني بعد الحكم لا يسقطها؛ لأنه يمكن التنفيذ بها على المال، وهي تصير بالحكم دينًا في الذمة، وتتعلق تبعًا لذلك بتركة الجاني المحكوم عليه. اهـ.
وأما الحق الثاني: فهو قيمة تلف السيارة، وهذا يشمل أمرين:
1ـ إصلاح ما تضرر من السيارة.
2ـ الفرق ما بين قيمة السيارة السليمة، والتي جرى عليها الإصلاح، وهذا يغفل عنه كثير من الناس، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: ليست المسألة مسألة قطع الغيار، بل قطع غيار وما حصل على السيارة من النقص بسبب الصدمة، وهذا أمر ربما لا يتفطن له كثير من الناس، وكل أحد يعرف الفرق بين قيمة السيارة المصدومة، ولو كانت قد صلحت، وبين قيمتها غير مصدومة. انتهى.
والله أعلم.