الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالمرجع في تعيين الإمام بالنسبة للمساجد التي لا تتبع الأوقاف، إنما هو إلى أهل المسجد في الأصل، فهم الذين يعينون الإمام الذي يختارونه، وإذا اختاروا إماما لم يغيروه بدون موجب.
قال الماوردي في الأحكام السلطانية: فَأَمَّا الْإِمَامَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَنَصْبُ الْإِمَامِ فِيهَا مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الصَّلَوَاتُ، وَهِيَ ضَرْبَانِ:
1) مَسَاجِدُ سُلْطَانِيَّةٌ
2) وَمَسَاجِدُ عَامّيَّةٌ.
فَأَمَّا الْمَسَاجِدُ السُّلْطَانِيَّةُ ... الَّتِي يَقُومُ السُّلْطَانُ بِمُرَاعَاتِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَدَبَ لِلْإِمَامَةِ فِيهَا إلَّا مَنْ نَدَبَهُ السُّلْطَانُ لَهَا، وَقَلَّدَهُ الْإِمَامَةَ فِيهَا؛ لِئَلَّا يَفْتَئِتَ الرَّعِيَّةُ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ مَوْكُولٌ إلَيْهِ، فَإِذَا قَلَّدَ السُّلْطَانُ فِيهَا إمَامًا، كَانَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ وَأَعْلَمَ.
وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ الْعَامَّةُ الَّتِي يَبْنِيهَا أَهْلُ الشَّوَارِعِ، وَالْقَبَائِلِ فِي شَوَارِعِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، فَلَا اعْتِرَاضَ لِلسُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ فِي أَئِمَّةِ مَسَاجِدِهِمْ، وَتَكُونُ الْإِمَامَةُ فِيهَا لِمَنْ اتَّفَقُوا عَلَى الرِّضَا بِإِمَامَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَا بِهِ أَنْ يَصْرِفُوهُ عَنِ الْإِمَامَةِ، إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ رِضَاهُمْ بِهِ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا مَكَانَهُ نَائِبًا عَنْهُ، وَيَكُونُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ حَقٌّ بِالِاخْتِيَارِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِي اخْتِيَارِ إمَامٍ، عُمِلَ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، فَإِنْ تَكَافَأَ الْمُخْتَلِفُونَ اخْتَارَ السُّلْطَانُ لَهُمْ؛ قَطْعًا لِتَشَاجُرِهِمْ مَنْ هُوَ أَدْيَنُ، وَأَسَنُّ، وَأَقْرَأُ، وَأَفْقَهُ. اهـ.
وبهذا النقل يتبين أنه ليس للجماعة المشار إليها في السؤال، تغيير الإمام بعد أن رضوه، سواء بعلمه، أو بغير علمه إلا أن تتغير حاله بما يستحق معه استبداله بغيره، وإذا غيروه حينئذ، فينبغي إعلامه بذلك قطعا للخلاف والخصومة.
والله أعلم.