الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الحياء الذي يمنع من الطاعات، ومن الدلالة على الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مذموم، وممنوع شرعًا.
كما قال صاحب مطهرة القلوب:
أما الحيا الذميم فالمانع من * تغيير منكر، أو السؤال عن
أمر من الدين، ونحو ذلك * فهو الذي عد من المهالك.
وللخلاص من هذا انظر الفتوى رقم: 66212.
ولا يعتبر هذا من الرياء؛ لأن الرياء هو فعل الطاعة طلبًا لنفع الخلق، أو مدحهم، أو لتفادي ضرهم وذمهم، لكن السجود على الهيئة التي تأتيك بها الأفكار، نخشى أن تكون من قبيل الوساوس والأوهام، فالسجود في وسط الشارع بخصوصه ليس مأمورًا به.
وأما رفع الصوت بنصح الناس، فهو مشروع في الأصل عند الحاجة؛ فقد بوب البخاري في صحيحه فقال: باب من رفع صوته بالعلم. ثم أسند حديث عبد الله بن عمرو قال: تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا - وقد أرهقتنا الصلاة - ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: «ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثًا. اهـ.
وأما إن لم تكن هناك حاجة لرفع الصوت، فإن رفع الصوت فوق الحاجة، والصياح أمر مذموم -ولا شك- كما قال تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19].
قال القرطبي -رحمه الله- عند تفسير هذه الآية: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ {لقمان:19}: أي: لا تتكلف رفع الصوت، وخذ منه ما تحتاج إليه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. اهـ.
وقال أيضًا: في الآية دليل على تعريف قبح رفع الصوت في المخاطبة، والملاحاة بقبح أصوات الحمير؛ لأنها عالية. اهـ.
وقال ابن كثير: أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه، وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه. اهـ.
وقال المناوي: فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق مبالغة شديدة في الذم، والتهجين، وإفراط في التثبط عن رفع الصوت، والترغيب عنه، وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان، ذكره الزمخشري، وإذا كره من الرجال فمن النساء أولى. اهـ.
والله أعلم.