الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرت هو في فضل من جمع الخصال المذكورة من أعمال البر في يوم واحد، فاستوجب بذلك الجنة.
وأما فضل اتباع الجنازة، والصلاة عليها، وحضور دفنها، ففيه خير كثير، وأجر عظيم. وقد وردت فيه أحاديث أخرى، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، فله قيراط. ومن شهدها حتى تدفن، فله قيراطان». قيل: وما القيراطان؟ قال:« مثل الجبلين العظيمين».
فهذا الحديث يوضح أن هذا الأجر لمن حضر الجنازة حتى يصلي عليها. كما في رواية البخاري الأخرى: من تبع جنازة وصلى عليها.
وبناء على هذه الأحاديث، فإن من صلى على الجنازة، وشهد دفنها، يحصل له بذلك قيراطان عظيمان من الأجر، ولم يقيد ذلك بالمشاركة في أعمال الدفن. ومن حضر الصلاة ولم يحضر الدفن، حصل له قيراط واحد من الأجر.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر، وقيراط في حضور دفنه، وذلك في التمثيل مثل جبل أحد ثوابا. اهـ.
وأما مجرد اتباعها والرجوع بدون الصلاة عليها، وبدون حضور دفنها. فقد اختلف فيه أهل العلم هل يحصل له بذلك أجر أم لا؟
جاء في البيان والتحصيل: كره مالك في سماع ابن القاسم لمن شهد جنازة أن ينصرف حتى يصلي عليها، ولم ير بذلك بأسا في سماع أشهب، قال: وهذا إذا كان ممن لا يقتدى به، وأَمِن من أن يظن به اعتقاد سوء في نفسه، أوفي الميت. اهـ.
وقال في الفتح: وَقَدْ رَوَى البَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَتَى جِنَازَةً فِي أَهْلِهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَإِنْ تَبِعَهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَإِنِ انْتَظَرَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطًا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ الْقَرَارِيطِ. اهـ.
وعلى هذا، فاتباع الجنازة بدون الصلاة عليها، فيه قيراط من الأجر، ولكنه ليس كقيراط الصلاة عليها.
وأما الاكتفاء في الجنازة بمجرد النظر إليها، فلم نجد من أهل العلم من ذكر له أجرا.
والله أعلم.