الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن للأجير ولو كان خاصًا -كالموظف، ونحوه- أن يمتنع عن الأعمال الزائدة التي يكلف بها خارج وقت دوامه الرسمي، وحتى في وقت دوامه الرسمي ما لم يكن هناك شرط، أو عرف، ونظيره ما ذكره الفقهاء في الراعي يستأجر على رعي غنم، فتلد هذه الأغنام، فلا يلزم برعي صغارها.
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: ولا يلزمه ـ أي: الراعي ـ رعي الولد الذي ولدته بعد الإجارة، فعلى ربها أن يأتي له براع آخر لرعيها، أو يجعل للأول أجرة في نظير رعيها، إلَّا لِعُرْفٍ، أَوْ شَرْطٍ فَيُعْمَلُ بِهِ. اهـ.
وعليه، فما تكلف به من أعمال زائدة عن عملك الرسمي، ليس عليك أداؤها، ومن حقك طلب أجرة عليها، ما لم يكن عرف العمل يقتضي أن يسند إلى الموظف غير ما اتفق عليه من الأعمال التي يستطيع أداءها، بحكم خبرته، وعلمه، وهذا هو الشائع الغالب.
لكنك ذكرت أن الاتفاق حصل مع المسؤول على أن تعطى نسبة مما تحققه من مكاسب في عملك، وهذه جعالة، فإن حققت مكاسب، وأديت ما تمت المجاعلة عليه، فإنك تستحق الجعل، وهو النسبة المحددة على قول من يرى جواز ذلك، كما بينا في الفتوى رقم: 192613.
وعلى فرض استحقاقك لتلك النسبة، وجحد المسؤول لها، فقد بينا أقوال أهل العلم في مثل هذه المسألة في الفتوى رقم: 28871.
لكن محل ذلك فيما سبق من العمل، ولم تعط حقك؛ بناء على ما ذكرت.
وأما ما يستقبل، فإما أن تمتنع من العمل الذي لا يلزمك فعله، أو تؤديه تبرعًا إن كان صاحب العمل لا يرضى أن يبذل مقابله شيئًا، وليس لك أن تعمله لتأخذ من مال صاحب العمل خفية، فإنما يلجأ إلى تلك الحيلة- لدى من يقول بها- تداركًا لحق فائت، لا سبيل للوصل إليه إلا بها.
ومهما يكن من أمر، فننبه هنا على أن فتوى المفتي، وقضاء القاضي لا تحرم حلالًا، ولا تحل حرامًا إذا كان الواقع خلاف ما وصف للمفتى، أو عرض على القاضي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئًا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها. رواه البخاري.
وأما الموظفون تحتك، فإنك تحاسبهم على العمل الإضافي وفق النظم واللوائح المعمول بها في الشركة، والتي تم التعاقد معهم بموجبها، ولا تحتاج أن ترجع في ذلك إلى صاحب العمل.
والله أعلم.