الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في ثقب أذن الأنثى لتعليق الحلق فيها على قولين:
الأول: عدم الجواز، وهو وجه عند الشافعية، قال في مغني المحتاج: ولا يجوز تثقيب الآذان للقرط؛ لأنه تعذيب بلا فائدة. انتهى. وعلل ذلك الغزالي في الإحياء بقوله: فإن هذا جرح مؤلم موجب للقصاص، فلا يجوز إلا لحاجة مهمة، والتزين بالحلق غير مهم. انتهى.
وممن ذهب إلى ذلك أيضاً ابن الجوزي في أحكام النساء .
الثاني: الجواز، وممن ذهب إلى ذلك الحنفية، قال في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: يجوز ثقب آذان البنات للأطفال؛ لأن فيه منفعة وزينة، وكان يفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير. وهو معتمد مذهب الشافعية كما في تحفة المحتاج والملكية كما في الخرشي. انتهى
وإليه ذهب الحنابلة أيضاً، قال في الإنصاف: ويكره ثقب أذن الصبي لا الجارية على الصحيح من المذهب ونص عليه. انتهى
واستدلوا بما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قِيلَ لَهُ: أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: «نَعَمْ، وَلَوْلَا مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ حَتَّى أَتَى العَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَوَعَظَهُنَّ، وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلَالٌ إِلَى بَيْتِهِ»
وورد في هذا المعنى عدة أحاديث، ووجه الاستدلال أن النساء كن ينزعن حليهن من آذانهن، ومعلوم أن الحلي الذي يوضع في الآذان يقتضي أن تكون مثقوبة، فلو كان ذلك منهيّاً عنه لنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلوا أيضاً بأن فيه سد حاجة فطرية عند المرأة وهي التزين، ولأن الألم الذي يحصل نتيجة الثقب خفيف جداًّ.
وهذا القول الثاني هو الراجح، قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في تحفة المودود: ويكفي في جوازه علْمُ اللهِ ورسولِهِ بفعل الناس له، وإقرارُهم على ذلك، فلو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن أو السنَّة. انتهى
أما ثقب الأنف أو غيره لوضع حلق، فإذا كانت عادة النساء المسلمات التحلي بذلك، فإنه يجوز، قياساً على ثقب الأذن بجامع وجود الحاجة الداعية إلى ذلك، وهي التزين، ولكن بشرط عدم ترتب ضرر لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
أما إذا كان في ثقب أنف الأنثى لوضع حلق، تشبه بالكافرات أو كان له علاقة بطقوس وثنية، كما هو الحال عند الهندوس، فإنه لا يجوز، بل يرقى إلى الشرك في حال قصد موافقة الكفار في بعض طقوسهم ومعتقداتهم.
والله أعلم.