الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فمن عجز عن تغيير المنكر بيده، وأنكره بلسانه وقلبه، فقد برئت ذمته، ولا يطالب بأكثر من هذا، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والذي لا يعذر فيه المرء هو ترك الإنكار بالقلب، وأما الإنكار باليد، وباللسان فإنه حسب الاستطاعة.
قال ابن رجب الحنبلي في شرح الأربعين النووية: وأمَّا الإنكارُ باللسان واليد، فإنَّما يجبُ بحسب الطاقةِ، وقال ابنُ مسعود: يوشك مَنْ عاش منكم، أن يرى منكراً لا يستطيعُ له، غيرَ أن يعلمَ اللهُ من قلبه أنَّه له كارهٌ. وفي سنن أبي داود: عن العُرس بن عَميرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: إذا عُمِلَت الخطيئةُ في الأرض، كان من شَهدَها، فكرهها كمن غاب عنها، ومَنْ غابَ عنها، فرَضِيها، كان كمن شهدها. فمن شَهِدَ الخطيئةَ، فكرهها بقلبه، كان كمن لم يشهدها، إذا عَجَز عن إنكارها بلسانه، ويده. ومن غاب عنها، فرضيها، كان كمن شهدها، وقدر على إنكارها ولم ينكرها؛ لأنَّ الرِّضا بالخطايا من أقبح المحرَّمات، ويفوت به إنكارُ الخطيئة بالقلب، وهو فرضٌ على كلِّ مسلم، لا يسقطُ عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال. وخرَّج ابنُ أبي الدنيا من حديث أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: من حضر معصيةً، فكرهها، فكأنَّه غاب عنها، ومن غاب عنها، فأحبها، فكأنَّه حضرها. وهذا مثلُ الذي قبله، فتبيَّن بهذا أنَّ الإنكارَ بالقلب فرضٌ على كلِّ مسلمٍ في كلِّ حالٍ، وأمَّا الإنكارُ باليدِ، واللِّسانِ فبحسب القُدرة. اهــ.
وانظر الفتوى رقم: 133243، والفتوى رقم: 18216، والفتوى رقم: 224710، والفتوى رقم: 214936 ، والفتوى رقم: 139535 وكلها في أدب الإنكار على الوالدين، والأقارب.
والله أعلم.