حكم هجر الابن والديه لتعييرهما وسخريتهما منه

28-5-2014 | إسلام ويب

السؤال:
كنت من الذين يمارسون الاستمناء، ‏وأصبت في جهازي التناسلي تماما، ‏وأصبحت لا أستطيع مجامعة النساء. ‏وأبي وأمي يعيراني، ويسخران ‏مني.‏
‏ فهل إذا تركت بيتهما، وغادرته، ولم ‏أرجع لهما أبدا طوال حياتي. هل ‏يكون هذا عقوقا أم لا؟
‏ وهل من حقهما أن يفعلا معي ما ‏يريدان؟

الإجابــة:

الحمد لله، غافر الذنب، وقابل التوب، ‏والصلاة والسلام على رسول الله، ‏وعلى آله، وصحبه، أما بعد:‏
فقد نظم الإسلام علاقة الآباء بالأبناء، ‏فجعل لكل منهما حقوقا نحو الآخر، ‏وفرض عليه ‏واجبات.                                       فمن حق ‏الآباء على الأبناء: وجوب الطاعة، ‏وحرمة الهجر والقطيعة، فإن ذلك ‏من ‏أعظم العقوق، وقد قال النبيّ ـ ‏صلى الله عليه وسلم ـ: لا يدخل ‏الجنة قاطع. متفق عليه، ‏ولا شك أن ‏ترك بيتهما، ومقاطعتهما من أعظم ‏الهجر، وقطيعة الرحم.                     قال القاضي ‏عياض ـ فيما ‏نقله عنه العيني في ‏شرحه على البخاري ـ : وللصلة ‏درجات بعضها أرفع من بعض، ‏وأدناها ‏ترك المهاجرة . اهـ.                                                                                                                                  وللمزيد ‏في تقرير حرمة هجر الآباء تنظر ‏الفتاوى أرقام: ‏49048، 40427، ‏‏17754‏.
 كما أن من حق الأبناء على ‏الآباء: ‏حسن الرعاية، والتربية على ‏أخلاق ‏الإسلام ومنها ‏الحشمة، ‏والعفة، ‏وليس لهما أن يفعلا ما يحلو ‏لهما ‏بالأبناء، بل الأبناء من أعظم ‏الأمانة ‏في أعناق ‏الآباء؛ ففي ‏البخاري من ‏حديث ابن عمر ـ رضي ‏الله عنهما ـ ‏أن النبي ـ صلى الله عليه ‏وسلم قال ‏: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، ‏وَهُوَ مَسْؤولٌ ‏عَنْ رَعِيَّتِهِ.                                                                   وليس من ‏أدب الإسلام ‏في معاملة الأبناء ‏السخرية، ‏ولا التعيير ‏بالمصيبة؛ فعن ‏واثلة بن ‏الأسقع -رضي الله عنه-‏قال: قال ‏رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: ‏‏‏لا ‏تظهر الشماتة لأخيك، ‏فيرحمه ‏الله، ويبتليك. رواه الترمذي ‏وقال: ‏حديث حسن. وهو معنى ‏ما ‏ذكره ‏شيخ الإسلام أبو إسماعيل ‏الهروي ‏حيث قال: وكل معصية ‏عيرت بها ‏أخاك، فهي إليك. ‏اهـ من ‏منازل ‏السائرين.‏
‏ بل الشماتة من دأب ‏الأعداء؛ فقد ‏كان النبيّ ـ صلى الله ‏عليه وسلم‏ـ ‏يستعيذ بالله من شماتة ‏الأعداء. كما ‏في الصحيحين من ‏حديث أبي هريرة ‏ـ رضي الله ‏عنه-‏
‏ ‏وللمزيد في تقرير حقوق ‏الأبناء ‏على الآباء تنظر الفتاوى ‏التالية ‏أرقامها:211768، 23307، ‏‏190121.‏

فإذا تقرر أن لكل من الآباء ‏والأبناء ‏مع الآخر حقوقا، وواجبات ‏فاعلم أن ‏حق ‏الوالدين أعظم بكثير ‏من حق ‏الأبناء؛ ولذلك وجبت ‏طاعتهما دون ‏العكس بالإجماع. ومن ‏ثم لم ‏يكن ‏للأبناء حق المعاملة ‏بالمثل؛ فإذا ‏قصر الآباء في أداء حق ‏الأبناء ‏عليهم، لم يكن للأبناء ‏أن ‏يقصروا في ‏واجباتهم نحو الآباء، ‏ويدل على ‏هذا الأصل من كتاب الله ‏أن من أعظم ‏الظلم أن ‏يجاهد الأبوان ‏الولد على أن ‏يشرك بالله تعالى، ‏ورغم ذلك ‏فقد ‏أمر الله ‏بحسن ‏صحبتهما، ‏ومعاشرتهما ‏بالمعروف. ‏
‏قال ‏الشيخ ‏السعدي في تفسير ‏قوله ‏تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ ‏عَلَى ‏أَنْ ‏تُشْرِكَ ‏بِي مَا لَيْسَ ‏لَكَ بِهِ ‏عِلْمٌ فَلَا ‏تُطِعْهُمَا ‏وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا ‏مَعْرُوفًا ‏‏{لقمان:15}،}: ‏‏"ولم ‏يقل ‏الله ‏عز وجل: "وإن ‏جاهداك ‏على أن ‏تشرك ‏بي ما ‏ليس ‏لك به علم ‏فعقهما" بل قال: ‏‏{فَلا ‏تُطِعْهُمَا} ‏أي: ‏بالشرك، ‏وأما ‏برهما، ‏فاستمر عليه؛ ‏ولهذا ‏قال: ‏‏{وَصَاحِبْهُمَا فِي ‏الدُّنْيَا ‏مَعْرُوفًا}. ‏أي: ‏صحبة ‏إحسان ‏إليهما ‏بالمعروف، ‏وأما ‏اتباعهما ‏وهما ‏بحالة الكفر ‏والمعاصي، فلا تتبعهما. ‏‏" ‏انتهى من ‏‏(‏تيسر الكريم الرحمن ‏في ‏تفسير كلام ‏المنان). ‏
وبناء عليه، فليس لك مقاطعة ‏أبويك ‏وهجرهما، وترك برهما مهما ‏عظمت ‏إساءتهما، بل ‏الواجب الصبر ‏على ‏أذاهما، واحتمال إساءتهما، ‏بل ‏مقابلتها بالإحسان، فإن ‏الوالد ‏أوسط ‏أبواب الجنة، وهي تحت ‏أقدام ‏الأمهات، وذلك خير سبيل ‏لكسب ‏ودهما، ونيل رضاهما، ومن ‏ثم ‏كفّ ‏ألسنتهما عن التعيير ‏والشماتة، ‏وأفضل ما عاملت من ‏عصى الله فيك، ‏أن تطيع الله فيه.‏
‏على أن ذلك لا يمنع من ‏نصحهما ‏بالرفق، واللين إذا اقتضى ‏المقام ذلك.‏
‏ ‏فقد روى حنبل ‏عن الإمام أحمد: ‏إذا ‏رأى أباه على أمر يكرهه، يكلمه ‏بغير ‏عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ ‏له ‏في ‏الكلام، وليس الأب كالأجنبي. ‏اهـ.‏
‏ ‏مراعيا في ذلك آداب الاحتساب ‏على ‏الوالدين التي قررناها في ‏الفتاوى ‏التالية أرقامها: ‏224710، ‏‏18216، 245989 .‏ 

والله أعلم.

www.islamweb.net