الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيكفي لرد هذا البهتان أن نعلم بالوثيقة التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين وبين الكفار من الوثنيين واليهود بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة. وقد ذكرها أهل السير ببنودها مفصلة.
قال ابن القيم في (زاد المعاد): لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، صار الكفار معه ثلاثة أقسام: قسم صالحهم ووادعهم على ألا يحاربوه ولا يظاهروا عليه، ولا يوالوا عليه عدوه، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم وأموالهم. وقسم: حاربوه ونصبوا له العداوة. وقسم: تاركوه، فلم يصالحوه، ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره، وأمر أعدائه، ... فصالح يهود المدينة، وكتب بينهم وبينه كتاب أمن، وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة ... اهـ.
وقد فصَّل في ذكر هذه الوثيقة الدكتور أكرم ضياء العمري في بحثه (السيرة النبوية الصحيحة: محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية) وذكر طرقها، وفند قول من ردها وأنكرها، وقال: أهم كتب السيرة ومصادر التاريخ ذكرت موادعة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود وكتابته بينه وبينهم كتاباً ... والراجح أن الوثيقة في الأصل وثيقتان ثم جمع المؤرخون بينهما، إحداهما: تتناول موادعة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود، والثانية: توضح التزامات المسلمين من مهاجرين وأنصار وحقوقهم وواجباتهم. اهـ. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 76058، 59577، 108503.
وأما الحرب التي وقعت بين المسلمين وبين اليهود بعد ذلك فكانت بسبب نقض اليهود للعهود، وراجع في ذلك الفتويين: 205042، 13988.
وبعد الهجرة بست سنين أبرم النبي صلى الله عليه وسلم صلحا مع كفار مكة الذين حاربوه وأخرجوه من بلده، على شروط في بعضها هضم للمسلمين، ولكن قبلها النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما لحرمات الله، وراجع الفتويين: 71117، 202177.
وأما شريعة الجهاد في الإسلام والتي بدأت بعد الهجرة، فقد سبق لنا بيان غايات الجهاد وفلسفة وأهداف الفتوحات في الإسلام، وراجع من ذلك الفتويين: 199777، 76362.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 72777. ومراجعة كتاب (التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم) للدكتور / منقذ السقار.
والله أعلم.