الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 166231 أن المسبوق يدخل مع الإمام في أي ركن من أركان الصلاة وجده فيه، حتى لو كان ذلك التشهد الأخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أَتَى أحدُكُم الصلاةَ والإمامُ على حالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمامُ. رواه الترمذي، وصحَّحه الألبانيُّ في المشكاة.
أما أقل ما يحصل به فضل الجماعة فمختلف فيه بين العلماء، فالجمهور على أن من كبر قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك فضل الجماعة، والمالكية في المشهور عنهم يرون أن فضلها لا يدرك إلا بركعة كاملة مع الإمام، قال خليل بن اسحاق المالكي -رحمه الله-: وإنما يحصل فضلها بركعة. اهـ ولهم قول ثان بالتفريق بين (فضل الجماعة وحكمها)، جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل لمحمد بن أحمد بن محمد -عليش - ما نصه: ونقل ابن عرفة عن ابن يونس، وابن رشد أن فضلها يحصل، ويدرك بجزء قبل سلام الإمام, وأن حكمها لا يثبت إلا بركعة دون أقل منها, وحكمها أن لا يقتدى به، ولا يعيد في جماعة، وترتب سجود سهو إمامه عليه، وتسليمه عليه ومن على يساره، وصحة استخلافه. اهـ
وبهذا تعلم أن حكمك الدخول مع الإمام كيفما وجدته، وعدم انتظاره حتى يسلم؛ لأن فضل الجماعة - على الراجح - يحصل بإدراك الإمام في أي جزء من الصلاة، وهذا هو المفتى به عندنا، كما سبق في الفتوى رقم: 25630، وكذلك الفتوى رقم: 21306.
فإن وجدت الإمام في التشهد الأخير فقد حَصَّلت فضل الجماعة كما قلنا، لكنك لم تدرك الركعة؛ لأن الركعة لا تدرك إلا بالركوع كما سبقت الإشارة إليه في الفتوى رقم: 140237، فعليك في هذه الحالة الإتيان بالصلاة كاملة بعد سلام الإمام.
وبالنسبة لمن يقول لك: إن الجماعة لا تدرك إلا بركعة فالظاهر أنه يفتى بمعتمد المذهب المالكي في المسألة كما رأيت، لكن الجمهور على خلافه.
أما من يقول لك إن أجر وفضل الجماعة خاص بالجماعة الأولى دون الثانية، فهذا أمر لا دليل عليه، ومن ثم يشرع لك إذا فاتتك الصلاة مع الإمام أن تبحث عن جماعة أخرى تحصل معها فضل الجماعة؛ سواء في نفس المسجد أم في مسجد آخر، جاء في فتاوى الشيخ ابن باز -رحمه الله-: الجماعة الثانية مشروعة، وقد تجب لعموم الأدلة إذا فاتته الجماعة الأولى، فإذا جاء الإنسان إلى المسجد وقد صلى الناس وتيسر له جماعة فإنه مشروع له أن يصلي جماعة، ولا يصلي وحده، وقد يقال بالوجوب لعموم الأدلة، ومن الدليل على هذا «أن رجلًا جاء والنبي صلى الله عليه وسلم قد سلم من صلاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يتصدق على هذا فيصلي معه»؛ ولعموم الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، ومن قال: إنها تختص بالأولى فعليه الدليل المخصص، ومجرد الرأي ليس حجة، ويدل على ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاته في سوقه، وفي بيته بخمس وعشرين ضعفًا»، فإذا فاتته الأولى، ويسر الله جماعة في مسجد آخر أو في نفس المسجد، فمشروع له أن يصلي جماعة، وأما ما يروى عن بعض السلف أنه كان يرجع ويصلي وحده، فهذا اجتهاد منه لا يحكم به على الشريعة، وثبت عن أنس رضي الله عنه كما في البخاري (أنه جاء ذات يوم والناس قد صلوا فجمع أصحابه فصلى بهم جماعة)، وأنس من الصحابة، ومن الأخيار، ومن المقتدى بهم. اهـ.
وانظر في ذلك فتوانا رقم: 58208.
والله أعلم.