الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالأصل أن تصلى كل صلاة لوقتها الذي وقته الشارع لها، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بعضها عن بعض.
وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي: وقت العشاء في أوربا يصل في هذه المدة الصيفية إلى منتصف الليل تقريبا، وكل من العمال، والأبناء الصغار لا يستطيعون صبرا حتى يؤدوا هذه الفريضة في وقتها المعين. فهل يجوز لهم جمعها مع المغرب، مع وقت صلاة المغرب في هذه المدة، والفجر يكون مع الرابعة صباحا؟
فأجابت بقولها: لا يجوز تقديم العشاء مع المغرب، لما ذكرت، بل يجب أن تصلى العشاء في وقتها الذي يبدأ بغروب الشفق الأحمر، وعلى المسلم أن يصبر ويحتسب الأجر في ذلك؛ لقول الله تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}. ولعموم الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على مواقيت الصلاة وبالله التوفيق. اهــ.
وعامة العلماء على أن الجمع في الحضر لا يجوز إلا في المطر.
قال ابن عبد البر: وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر المطر، إلا طائفة شذت. اهـ.
وهناك بعض أهل العلم أخذوا بحديث ابن عباس الذي أشرت إليه في السؤال، ورأوا جواز الجمع في الحضر من أجل المشقة، وقيده بعضهم بألا يتخذه عادة.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة، لمن لا يتخذه عادة. وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال، والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته. فلم يعلله بمرض. اهــ.
وأطلق بعض العلماء جواز الجمع في الحضر للمشقة، ولم يقيدوه بألا يتخذ عادة.
قال ابن تيمية: فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة؛ وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى، ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بحرج كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور .اهـ.
وقال ابن عثيمين عن البلاد التي يتأخر فيها وقت العشاء: إن كان الشفق لا يغيب حتى يطلع الفجر، أو يغيب في زمن لا يتسع لصلاة العشاء قبل طلوع الفجر، فهؤلاء في حكم من لا وقت للعشاء عندهم، فيقدرون وقته بأقرب البلاد إليهم ممن لهم وقت عشاء معتبر، وقيل يعتبر بوقته في مكة لأنها أم القرى.
وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء، فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب، إلا أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم، دفعاً للحرج والمشقة؛ لقوله تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. ولقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف، ولا مطر. قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته. أي لا يلحقها الحرج بترك الجمع. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح. اهـ.
وعلى كل حال: فالمسألة محل خلاف، واجتهاد بين أهل العلم، والذي نراه هو الأخذ بقول الجمهور القاضي بعدم الجمع في هذه الحالة؛ لأن ذلك هو الذي يتسق مع ظواهر النصوص، وكلام عامة العلماء. والجمع لمدة شهر كامل في مسجد الجماعة لعموم الناس مشكل، حتى على القول بجواز الجمع للمشقة.
ومن خشي منكم أن يغلبه النوم قبل دخول وقت العشاء، فليبذل الأسباب التي يستيقظ بها لصلاة العشاء قبل خروج وقتها، لا سيما في رمضان، فإنكم ستقومون للسحور، ومن غلبه النوم ولم يستيقظ، فلا تفريط في النوم، وليقض الصلاة حين يستيقظ.
وقد بينا في عدة فتاوى سابقة حكم الجمع بين الصلاتين في البلاد التي يتأخر فيها دخول العشاء، ويقرب فيها من دخول وقت الفجر ؛ فانظر الفتاوى التالية أرقامها: 213139 // 75413 // 130383 // 157963 .
والله أعلم.