حكم قول: "عزيزي الجو: حدد موقفك.." و"بدنا من الحياة اعتذار عشان.."

26-6-2014 | إسلام ويب

السؤال:
بعض الناس يكتبون على مواقع التواصل عبارات مثل: عزيزي الجو... حدد موقفك، صيفي أو شتوي! أو تكتب: "بدنا من الحياة اعتذار عشان... فما الحكم الشرعي في هذه الأقوال؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول القائل: "عزيزي الجو ... حدد موقفك صيفي أو شتوي"  فهو من لغو الكلام الذي يتنزه عنه، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، أو الداء والدواء: ... وقد كان بعض السلف يُحَاسِب أحدهم نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد. اهـ.

وقال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: وقد أصبح مِن المعتاد لدى الناس تتبّع تَقَلّبات الجو، ومقياس درجاته: حرارة، وبرودة، وما أكثر لِهَجَهم بذلك، وإتباعه بالتأفيف، والتألُّم مِن شِدّة الحر وشِدّة البرد... ويَجْمُل بالمسلم التوقِّي عن متابعة مثل هذا، واتِّخَاذِه حديثًا في المجالس. اهـ.

وأما قول القائل: بدنا من الحياة اعتذار عشان.... ففيه محذوران:

المحذور الأول: أن ظاهر اللفظ يدل على أن هذه الحياة هي التي أوقعت عليه الضرر، وأنها ظلمته، فيطلب منها الاعتذار، وهذا داخل في سب الدهر، فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد عند حديثه عن إطلاق ألفاظ الذم على من ليس من أهلها فقال -رحمه الله-: مِثْلُ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ ـ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، فَيَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ـ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ ـ فِي هَذَا ثَلَاثُ مَفَاسِدَ عَظِيمَةٌ:

إِحْدَاهَا: سَبُّهُ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَبَّ، فَإِنَّ الدَّهْرَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، مُنْقَادٌ لِأَمْرِهِ، مُذَلَّلٌ لِتَسْخِيرِهِ، فَسَابُّهُ أَوْلَى بِالذَّمِّ، وَالسَّبِّ مِنْهُ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ سَبَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلشِّرْكِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا سَبَّهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ ظَالِمٌ قَدْ ضَرَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الضَّرَرَ وَأَعْطَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَطَاءَ، وَرَفَعَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّفْعَةَ، وَحَرَمَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْحِرْمَانَ، وَهُوَ عِنْدَ شَاتِمِيهِ مِنْ أَظْلَمِ الظَّلَمَةِ، وَأَشْعَارُ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةِ الْخَوَنَةِ فِي سَبِّهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ يُصَرِّحُ بِلَعْنِهِ وَتَقْبِيحِهِ.

الثَّالِثَةُ: أَنَّ السَّبَّ مِنْهُمْ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ فِيهَا أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَإِذَا وَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ حَمِدُوا الدَّهْرَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَفِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، فَرَبُّ الدَّهْرِ تَعَالَى هُوَ الْمُعْطِي الْمَانِعُ، الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ، وَالدَّهْرُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، فَمَسَبَّتُهُمْ لِلدَّهْرِ مَسَبَّةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ مُؤْذِيَةً لِلرَّبِّ تَعَالَى، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُـ فَسَابُّ الدَّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، إِمَّا سَبَّهُ لِلَّهِ، أَوِ الشِّرْكُ بِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الدَّهْرَ فَاعِلٌ مَعَ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَسُبُّ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ. انتهى.

وأما المحذور الثاني: أنها تتضمن التسخط، والاعتراض على قدر الله، وهذا لا يجوز، وانظر الفتويين رقم: 23586، ورقم: 50029.

وعلى المسلم أن يبتعد عن مثل هذه الألفاظ الموهمة، ولو كان قصده حسنًا.

والله أعلم.

www.islamweb.net