الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نر هذه الخطبة في شيء من كتب السنة، ولا من كتب التاريخ والأدب، ولا شك في فضل زين العابدين، وآل البيت.
ومناقب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مذكورة في كتب السنة الصحيحة، كصحيح البخاري، وغيره، إضافة إلى كتب التراجم الصحيحة، كسير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، وغيره.
ومن أصول معتقد أهل السنة محبة، واحترام، وتوقير آل البيت، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: العقيدة الواسطية: ويحبون أهل بيت رسول الله، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خم: أذكركم الله في أهل بيتي ـ وقال أيضًا للعباس عمه، وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله، ولقرابتي ـ وقال: إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. اهـ.
وقد كان المعاصرون لزين العابدين يقدرونه، ويجلونه، ويعترفون له بالعلم، والسخاء، والعبادة، والفضل، فقد نقل الذهبي عن أبي حازم المدني قوله: ما رأيت هاشميًا أفقه من علي بن الحسين، سمعته وقد سئل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: لمنزلتهما منه الساعة. اهـ
وروي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين كثير من القصص في السخاء، والكرم، وإخفاء الصدقات، فقد روي أنه كان يحمل الطعام في الليل، ويطرحه على أبواب الفقراء، ولم يعلموا بذلك حتى توفي -رحمه الله تعالى- كذا في الحلية لأبي نعيم.
وجاء في سير أعلام النبلاء في الكلام عليه: كان علي بن الحسين ثقة، مأمونًا، كثير الحديث، عاليًا، رفيعًا، ورعًا.
روى: ابن عيينة، عن الزهري، قال: ما رأيت قرشيًا أفضل من علي بن الحسين ....
وكان له جلالة عجيبة، وحق له -والله- ذلك، فقد كان أهلًا للإمامة العظمى؛ لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهه، وكمال عقله.
قد اشتهرت قصيدة الفرزدق، وهي أن هشام بن عبد الملك حج قبيل ولايته الخلافة، فكان إذا أراد استلام الحجر، زوحم عليه، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر، تفرقوا عنه؛ إجلالًا له.
فوجم لها هشام، وقال: من هذا؟ فما أعرفه؟
فأنشأ الفرزدق يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها: ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء، ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا .... اهـ
والله أعلم.