الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يستسلم أبدا للوساوس التي تعرض له، لأنها من كيد الشيطان ليصرفه عن عبادته، ويقطعه عما يقربه إلى ربه، وإذا استسلم الشخص لها ولم يقطعها، فقد تجره إلى ما لا تحمد عقباه ـ عافانا الله وإياكم ـ ومن أفضل السبل إلى قطعها والتخلص منها: الاقتناع بأن التمسك بها اتباع للشيطان، سئل ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية ـ وإن كان في النفس من التردد ما كان ـ فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها، وإلى شيطانها... وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته، وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليعتقد بالله ولينته فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله، لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام، وهو لا يشعر: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا. انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى مع تصرف يسير.
وقد نقل الشيخ محمد عليش المالكي عن بعض المشايخ: أن الوسوسة بدعة أصلها جهل بالسنة، أو خبال في العقل. اهـ.
فإذا علمت هذا كله واقتنعت أن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، وأنه ـ عليه لعنة الله ـ عدو حقيقي لا يريد لك أي خير سهل عليك الإعراض التام عما يوسوس به، فالعاقل لا يصغي إلى عدوه الذي يريد أن يورده موارد العطب والهلاك فحاول تطبيق ما سبق ذكره، ولا تلتفت إلى أي خواطر عن فساد صومك أو وضوئك أو صلاتك أو أنك اقترفت ذنبا ما أو ما شابه، واستعن في دفع كل ذلك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وبالدعاء، واللجوء إلى الله، وأشغل نفسك في التفكير في أمور أخرى، وعند ذلك ستذهب عنك الوساوس بشكل تدريجي ـ إن شاء الله تعالى ـ ثم استحضر دائما سعة رحمة الله وكريم لطفه وعظيم فضله، وأنه سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأن هذا الدين يسر، قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}.
وقال عليه الصلاة والسلام: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا. رواه البخاري.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 51601، 10355، 3086.
وننصحك بمراجعة قسم الإستشارات بموقعنا.
والله أعلم.