الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى الطالب محدود الدخل أن ينظر في قدر دخله وفي قدر النفقة الواجبة عليه للزوجة التي يرغب في نكاحها، فإذا كان دخله يغطي النفقة الواجبة لها ولو بإعانة والديه وأقاربه، فالمستحب في حقه أن يبادر إلى نكاحها امتثالا لأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج.
فإن خشي بترك النكاح الوقوع في الحرام وجب عليه النكاح عندئذ سدا لذرائع الحرام، وينظر كلام الموفق في المغني في تقرير هاتين الحالتين في الفتوى رقم: 259816.
والنفقة الواجبة للمرأة على زوجها قدرها الفقهاء بقدر كفايتها في المأكل والمسكن والملبس، بحسب يسار وإعسار كل من الزوجين، وهذا أمر نسبي يختلف باختلاف الأعراف والأشخاص، وللمزيد في تقرير مقدار النفقة الواجبة تنظر الفتوى رقم: 105673.
أما إذا لم يقدر على النفقة الواجبة فيجب عليه بيان حاله للمرأة، فإذا رضيت به على ما هو عليه جاز له نكاحها على التفصيل المتقدم من الاستحباب والوجوب، وإلا فلا ينبغي له الإقدام على نكاحها مع العجز عن الوفاء بنفقتها الواجبة دون بيان ذلك، لما فيه من تعريض المرأة للإضرار، وتعريض النكاح للفسخ بالإعسار، ولذلك قال بعض أهل العلم بحرمة النكاح بغير بيان لحرمة الإضرار بالزوجة، وهو ما أوضحناه في الفتوى رقم: 66879.
وأما الاستناد إلى ما ورد من النصوص الشرعية الواردة في إغناء الناكح الفقير، فهذا من إحسان الظن بالله تعالى والتصديق بوعده، إلا أن ذلك لا يكون إلا بشرطه وهو أن يقصد السائل بنكاحه مرضاة ربه وإعفاف نفسه، فإن هذه النية كفيلة بتحقيق موعود الله ورسوله بإغناء الناكح من الفقر، قال ابن العربي ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32} في هذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقولن كيف أتزوج وليس لي مال؟ فإن رزقه ورزق عياله على الله، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم الموهوبة من بعض أصحابه وليس له إلا إزار واحد، وليس لها بعد هذا فسخ النكاح بالإعسار، لأنها دخلت عليه، وإنما يكون ذلك على الحكم إذا دخلت على اليسار فخرج معسراً أو طرأ الإعسار بعد ذلك، والله أعلم.
وللمزيد في تقرير هذه المسألة تنظر الفتوى رقم: 167337.
والله أعلم.