الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عالم الجن من الغيب الذي لا اطلاع لأحد على أحواله، إلا في حدود ما ورد من نصوص شرعية، كقول الله تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27].
وقوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً [الجـن:1].
وهم مكلفون بأحكام الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك بالقرآن والسنة، وقد سبق بيان مسألة تكليفهم في الجملة في الفتوى رقم: 18484.
أما عن إهدائهم وهباتهم للإنس، فهذا يحصل منهم بوجهين:
الأول: وجه غير مشروع، وهو أن الجني يطلب من الإنسي فعل أشياء محرمة ليحضر له الأشياء التي يطلبها منه، وذلك بسرقتها من إنسي آخر، وهذا هو الاستمتاع المذكور في قوله تعالى: وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام: من الآية128].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه يشتهي ما يضره ويلتذ به، بل يعشق ذلك عشقاً يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله، والشيطان هو نفسه خبيث، فإذا تقرب صاحب العزائم والأقسام وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم، فيقضون بعض أغراضه، كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله أو يعينه على فاحشة أو ينال معه فاحشة.
ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله بالنجاسة -وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، إما حروف الفاتحة، وإما حروف قل هو الله أحد، وإما غيرهما- إما دم وإما غيره، وإما بغير نجاسة. أو يكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان، أو يتكلمون بذلك.
فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم: إما تغوير ماء من المياه، وإما أن يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة، وإما أن يـأتيه بمال من أموال بعض الناس، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه وتأتي به، وإما غير ذلك. انتهى
والتعامل مع الجن على هذه الصفة محرم ولا شك. وانظر ما يتعلق باستمتاع الجني بالإنسي في الفتوى رقم: 5701.
الثاني: وجه مشروع، وهو أن يأتي الجني بشيء من المباحات التي لم يتملكها أحد، كأخشاب من الغابات، أو فواكه من البراري أو الذهب والفضة من الجبال، ونحو ذلك، فهذا لا شيء فيه لعدم وجود الاعتداء الحاصل في الصورة الأولى، فإن للجن تصرفات وقدرة على إحضار الأشياء من أماكن بعيدة في أقل زمن ممكن، وقد حصل هذا مع نبي الله سليمان حينما طلب منهم إحضار عرش بلقيس، فقال الله عن ذلك: قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [النمل:39].
لكننا نقول للسائل: التعامل مع الجن يفضي في الغالب إلى أمور محرمة قد تصل بصاحبها إلى الشرك والعياذ بالله، وقد دلنا الله تعالى على طرق الكسب المشروعة، ففيها غنية وكفاية.
والله أعلم.