الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على الطالب أن يجتهد في دراسته للتفوق، والحصول على درجات عالية، ولكن النية التي تكون بها الدراسةُ عبادةً وقربةً يؤجر عليها صاحبها، هي: خدمة الإسلام، ونفع المسلمين، والقيام بشيء من فروض الكفايات التي يجب أن يتخصص فيها بعض المسلمين، ثم بعد ذلك أن تكون سببا للكسب الحلال، الذي يكفي المرء به نفسه، ويعفها ويكفها عما في أيدي الناس. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 111460.
وأما مسألة الحزن عند انخفاض النسبة، بعد بذل ما في الوسع والاجتهاد في الدراسة، فهذا لا حرج فيه، حتى ولو دمعت العين مع حزن القلب، فإن هذا لا يتعارض مع الصبر الواجب، بل ولا مع الرضا المستحب، كما سبق لنا بيانه في الفتوى رقم: 139774. وإنما يؤاخذ المرء في ذلك بما يترتب على أثره من أقوال، أو أفعال محرمة، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه، فوجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال: "ألا تسمعون! إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم".
وفي الصحيحين أيضا في قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم: وجعلت عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان، فسألوه عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 105860.
وأما المنافسة في الدراسة، وتحصيل الدرجات العالية، فلا حرج فيها إذا لم تقترن بمحظور شرعي كالشحناء، والبغضاء، ولم يترتب عليها منكر كالحقد، والحسد. وإنما تدور فقط على معنى الغبطة، وهي تمني أن يكون له مثل ما لغيره، من غير أن يزول عنه ذلك.
قال ابن حجر في (فتح الباري): والحرص على هذا يسمى منافسة، فإن كان في الطاعة فهو محمود، ومنه: {فليتنافس المتنافسون} وإن كان في المعصية فهو مذموم، ومنه: "ولا تنافسوا" وإن كان في الجائزات فهو مباح. اهـ.
وقال الراغب الأصفهاني في: (الذريعة إلى مكارم الشريعة): الذي ينال الإنسانَ بسبب خير يصل إلى غيره، على سبيل التمني أن يكون له مثله، فهو غبطة، وإذا كان مع ذلك سعي منه أن يبلغ هو مثل ذلك من الخير، أو ما هو فوقه، فمنافسة، وكلاهما محمودان. وإن كان مع ذلك تمني زوال ما يصاحبه، من غير استحقاق لزواله، فحسد، والحسد: هو تمني زوال نعمة عمن يستحقها، ولربما كان مع ذلك سعي في إزالتها. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 110852.
والله أعلم.