الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما دام أن الرجل قد مات وعليه دين، فإنه إذا لم يترك في تركته سدادا لدينه يعتبر من الغارمين، ويجوز دفع الزكاة في سداد دينه على القول المفتى به عندنا، وهو أيضًا ما أفتت به اللجنة الدائمة، فقد سئلت عن رجل مات، وعليه دين، ولم يخلف مالا، فهل يجوز دفع الزكاة لوفاء دينه؟ فأجابت بقولها:
الأصل في الشريعة الإسلامية: أن من مات من أفراد المسلمين الملتزمين لتعاليم دينهم، وعليه دين لحقه في تعاطي أمور مباحة، ولم يترك له وفاء -أن يشرع قضاؤه عنه من بيت مال المسلمين؛ لما روى البخاري، ومسلم، وغيرهما -رحمهم الله- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه » فإذا لم يتيسر قضاؤه من بيت المال جاز أن يقضى دينه من الزكاة، إذا لم يكن الدافع هو المقتضي ، قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: ( وأما الدين الذي على الميت فيجوز أن يوفى من الزكاة في أحد قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن الله تعالى قال: {وَالْغَارِمِينَ}، ولم يقل: (وللغارمين) ، فالغارم لا يشترط تمليكه). وعلى هذا؛ يجوز الوفاء عنه، وأن يملك لوارثه ولغيره، ولكن الذي له الدين لا يعطى ليستوفي دينه. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 9111، والفتوى رقم: 43744، وكلاهما عن حكم قضاء دين الميت من الزكاة.
وإذا دفعت زكاتك في دينه، ثم تبين أن الأوراق التي تثبت الدين مزورة، فإن هذا يدخل في حكم من دفع زكاته لمن ظنه من أهلها، فبان أنه ليس من أهلها، هل يجزئه أم لا؟ والأحوط: أن يعيد إخراجها.
جاء في الموسوعة الفقهية: الْخَطَأُ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ:
37 - إِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ لِمَنْ ظَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا فَبَانَ خَطَؤُهُ؛ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الأْوَّل: يُجْزِئُهُ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الإْعَادَةُ، وَهُوَ قَوْل: أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَمُقَابِل الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَالِكٍ: إِذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ: السُّلْطَانُ، أَوِ الْوَصِيُّ، أَوْ مُقَدَّمُ الْقَاضِي، وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا .... وَالْقَوْل الآْخَرُ: لاَ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ قَوْل: أَبِي يُوسُفَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَال: لاَ يَسْتَرِدُّهُ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ أَيْضًا، إِذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ رَبُّ الْمَال، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الإْمَامُ .... فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَّنَ أَنَّهَا زَكَاةٌ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ بَيَّنَ رَجَعَ فِي عَيْنِهَا فَإِنْ تَلِفَتْ فَفِي بَدَلِهَا....إلخ. اهــ. مختصرا.
وقال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-: (وذهب بعض أهل العلم: إلى أنه إذا دفعها إلى من يظن أنه أهل بعد التحري، فبان أنه غير أهل فإنها تجزئه؛ حتى في غير مسألة الغني؛ أي: عموما؛ لأنه اتقى الله ما استطاع؛ لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286] والعبرة في العبادات بما في ظن المكلف؛ بخلاف المعاملات فالعبرة بما في نفس الأمر، ويصعب أن نقول له: إن زكاتك لم تقبل مع أنه اجتهد، والمجتهد إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران. وهذا القول أقرب إلى الصواب أنه إذا دفع إلى من يظنه أهلا مع الاجتهاد والتحري، فتبين أنه غير أهل، فزكاته مجزئة؛ لأنه لما ثبت أنها مجزئة إذا أعطاها لغني ظنه فقيرا، فيقاس عليه بقية الأصناف.) انتهى من الشرح الممتع.
والله تعالى أعلم.