الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم من أن استخدام الإنس للجن يكون مباحا في الأمور المباحة، كإحضار ماله، أو دلالته على ما ليس له مالك معصوم، أو دفع من يؤذيه: إنما يكون في حال حصول ذلك دون محظور شرعي! وهذا أمر نادر، فإن الغالب على من يستخدمون الجن ويتعاملون معه أنهم بعيدون عن الهدى، كذابون دجالون، ويتعاطون السحر ويتعاملون به، كما سبق أن نبهنا عليه في ختام الفتوى رقم: 5701.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هناك من يحضر الجن بطلاسم يقولها، ويجعلهم يخرجون له كنوزا مدفونة في أرض القرية منذ زمن بعيد، فما حكم هذا العمل؟ فأجاب: هذا العمل ليس بجائز؛ فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك ـ في الغالب ـ والشرك أمره خطير؛ قال الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق، ويغرهم بما يعطيهم من الأموال. فالواجب مقاطعة هؤلاء، وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب في أمثال هؤلاء أنهم يحتالون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق ... اهـ. وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 71038، 125198، 208036.
وننبه أخيرا إلى أن المنع من استخدام الجن ولو في الأعمال المباحة، إنما هو من باب سد الذرائع، واعتبارا بالغالب، وإلا فإننا لا ننكر إمكانية حصول ذلك دون ارتكاب للمحرمات، وقد سأل الدكتور أحمد القاضي الشيخ ابن عثيمين عن حكم حل السحر عن المسحور باستخدام الجن؟ فأجاب: يجوز؛ لأنه لا يلزم أن يكون الاستخدام على وجه شركي. ولكننا لا نفتي بذلك لأنه يترتب عليه مفسدة وهي: أن يقبل الناس على تعلم ذلك، وقد قال الله: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ {البقرة:102}، وللشيخ عبد الرحمن الدوسري ـ رحمه الله ـ في تفسيره كلام على جواز ذلك أخذاً من هذه الآية. اهـ.
والله أعلم.