الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعينك على البر بوالدك، ويرزقك الزوجة الصالحة التي تعفك، وتعينك على الخير.
وننصحك أن تستأذن الوالد فيما تريد أن تقدم عليه من أمر الزواج والعمل، وتتلطف معه، وتبين له حاجتك لذلك، ورغبتك فيه، وأنك تستشيره وتريد مساعدته ورأيه.
ونظن أنه لن يمانع في الأمر، بل ربما يساعدك في أمور الزواج، فالأصل أن الآباء يرغبون في تزويج أبنائهم، ويسعدون بذلك،
فإن استأذنته ورفض، فينبغي أن تستعين ببعض الأقارب ليقنعوه، فإن لم يُجدِ ذلك نفعًا، وكنت محتاجًا للزواج، فلا مانع من العمل لتحصيل ما تتزوج به، ولا تعد عاقًّا والحال هذه؛ يقول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا كان الشاب بالغًا عاقلًا محسنًا للتصرف فإنه لا يجوز لوالده أن يمنعه من الكسب الحلال، وذلك لأنه في هذه الحال ليس عليه حجر، وليس عليه منع من التكسب ما دام يريد أن يكتسب اكتسابًا حلالًا، فإن الإنسان محتاج إلى أن يعف نفسه بالزواج، وإلى أن يكف نفسه عن المسألة، ولا طريق إلى ذلك إلا بالسعي في طلب الرزق الحلال، ثم إنه لو فرض أن الأب عنده مال يستطيع به أن يكمل لهذا الشخص ما يحتاجه من نفقة وزواج، فإن بقاء الإنسان بدون عمل قد يضره نفسيًّا وبدنيًّا؛ لأن الإنسان كما جاء في الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (حارث وهمام، كلكم حارث وهمام) لا بد أن يكون له شيء يحرك همته، وشيء يحرك بدنه، حتى يكون قد فرج عن نفسه ما يكمن في داخلها. وعلى هذا؛ فالذي أشير به، وأنصح به هذا الوالد: ألا يحجر على ولده، وأن يدعه يتكسب بما هو حلال ما دام بالغًا عاقلًا رشيدًا، وأما الولد فإني أنصحه: ألا يعصي والده معصية ظاهرة، ويبادره بالعصيان، وإن كان الوالد ليس له حق في أن يمنعه من التكسب، ولكن يصانع والده، ويداريه، ويترجى منه بإلحاح أن يرخص له في طلب العمل، لعل الله أن يهديه، فإن لم يفعل والده فإن كان محتاجًا إلى هذا الكسب فليس عليه أن يطيع أباه بتركه، وإن كان غير محتاج فإنه ينظر في هذا الأمر، وأيهما أنفع وأصلح في أن يوافق والده أو يخالفه، وهذا ما لم يكن الأب في ضرورة إلى بقاء ابنه في البيت، فإن كان في ضرورة إلى بقائه في البيت بحيث يكون مريضًا أو به عاهة تمنعه من القيام بمصالح بيته ففي هذا الحال يجب على الابن أن يوافق أباه؛ لأن ذلك من البر، والبر واجب. اهـ بتصرف يسير.
والله أعلم.