الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يزيدك حرصًا على دينك.
وفي البداية ننبه إلى أن السؤال عن لعبة باسمها لا يجمل -وهذا الأمر متكرر من الإخوة الذين يسألون عن الألعاب-، والذي ينبغي هو: أن يكون السؤال معلقًا بالوصف، وأما حكم المفتي على لعبة بعينها فيستلزم منه الإحاطة بها، والتصور التام لها، وهذا لا يتيسر إلا لمن يمارس هذه الألعاب.
لكن نجيبك بشكل عام ونقول: إن من المحاذير الموجبة لتحريم اللعب بالألعاب الإلكترونية: وجود أمور كفرية، كسب الله -عز وجل- أو وجود الصور العارية. فالمسلم محرم عليه شهود المنكر بالاستماع والنظر إليه؛ لقوله سبحانه: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء:140}، قال القرطبي: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي: غير الكفر. (إنكم إذا مثلهم) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله -عز وجل-: (إنكم إذا مثلهم). فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. اهـ.
وقد نص جمع من الفقهاء على حرمة التفرج على المحرم، كقول البجيرمي الشافعي في حاشيته على شرح الخطيب: وما هو حرام في نفسه يحرم التفرج عليه؛ لأنه رضا به، كما قاله ابن قاسم على المنهج. اهـ. وكذلك ما جاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: قال الحلبي: وكل ما حرم، حرم التفرج عليه؛ لأنه إعانة على المعصية. اهـ.
وقول العدوي المالكي في حاشيته على كفاية الطالب: والحاصل: أن ما يحرم فعله، يحرم النظر إليه. اهـ.
وأما في حالة الشك في وجود هذه المنكرات: فمن جهة البحث الفقهي: فالأصل هو الإباحة، والشك لا يوجب التحريم، وإذا تبين وجودها وجب الكف عن اللعب الذي يتضمن شهود تلك المنكرات.
وفي حال إغلاق صوت اللعبة التي بها أمر يحرم الاستماع إليه: فلا يظهر تحريم اللعب باللعبة حينئذ من هذه الجهة؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، لكن إن كان فيها صور محرمة، حرمت مشاهدتها.
وبعد هذا كله نقول لك أيها الأخ: إن لعبة تحيط بها هذه الإشكالات، ويشك في كونها يسب فيها الرب -جل وعلا-، وقد يوجد بها صور خليعة، يحسن بالمسلم أن يتجنبها بالكلية، ولا ينتظر فتوى بحرمتها، فشأن الألعاب أهون من ذلك.
واعلم كذلك أنه ليس كل نازلة يكون للمفتي جواب قاطع، بل هناك كثير من النوازل يشتبه فيها الأمر، وحينئذ فالأسلم تركها والبعد عنها، وإن لم يجد المرء من يجزم له بتحريمها، لا سيما في أمر هو من اللهو واللعب، كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه) متفق عليه.
وراجع في ضوابط ما يحل من الألعاب الإلكترونية وما يحرم الفتوى رقم: 121526.
والله أعلم.