الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد تعددت أقوال الفقهاء في النجاسة إذا أُحرقت بالنار هل يُحكم بطهارة رمادها أم لا؟ على قولين، جاء في الموسوعة الفقهية: أَمَّا الرَّمَادُ الْحَاصِل مِنْ أَصْلٍ نَجِسٍ بَعْدَ احْتِرَاقِهِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ:
1) فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَالتُّونُسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَخِلاَفُ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الرَّمَادَ الْحَاصِل مِنِ احْتِرَاقِ شَيْءٍ نَجِسٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ طَاهِرٌ ، وَالْحَرْقُ كَالْغَسْل فِي التَّطْهِيرِ ، قَال فِي الدُّرِّ: (وَإِلاَّ لَزِمَ نَجَاسَةُ الْخُبْزِ فِي سَائِرِ الأْمْصَارِ) أَيْ لأِنَّهُ كَانَ يُخْبَزُ بِالرَّوْثِ النَّجِسِ، وَيَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الرَّمَادِ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ، وَلأِنَّ النَّارَ تَأْكُل مَا فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، أَوْ تُحِيلُهُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، فَيَطْهُرُ بِالاِسْتِحَالَةِ وَالاِنْقِلاَبِ، كَالْخَمْرِ إِذَا تَخَلَّلَتْ، وَعَلَى ذَلِكَ فَالْمَخْبُوزُ بِالرَّوْثِ النَّجِسِ طَاهِرٌ وَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ رَمَادِهِ، وَتَصِحُّ الصَّلاَةُ بِهِ قَبْل غَسْل الْفَمِ مِنْ أَكْلِهِ، وَيَجُوزُ حَمْلُهُ فِي الصَّلاَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ.
2) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُقَابِل الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْل أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الرَّمَادَ الْحَاصِل مِنِ احْتِرَاقِ النَّجِسِ نَجِسٌ؛ لأِنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ قَائِمَةٌ، وَالإْحْرَاقُ لاَ يَجْعَل مَا يَتَخَلَّفُ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ، فَلاَ تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ، قَال الْبُهُوتِيُّ: لاَ تَطْهُرُ نَجَاسَةٌ بِاسْتِحَالَةٍ، وَلاَ بِنَارٍ، فَالرَّمَادُ مِنَ الرَّوْثِ النَّجِسِ نَجِسٌ. اهــ
والقول بطهارتها هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ فقد سئل عَنْ اسْتِحَالَةِ النَّجَاسَةِ كَرَمَادِ السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَالزِّبْلِ النَّجِسِ تُصِيبُهُ الرِّيحُ وَالشَّمْسُ فَيَسْتَحِيلُ تُرَابًا، فَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ بقوله :
وَأَمَّا اسْتِحَالَةُ النَّجَاسَةِ، كَرَمَادِ السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَالزِّبْلِ النَّجِسِ يَسْتَحِيلُ تُرَابًا فَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد، أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ ... اهــ
والله تعالى أعلم.