الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر، وقد بينا ذلك وشروط صحة الجمع في الفتويين التالية أرقامهما: 21550، 131911.
وفي خصوص ما سألت عنه من جمع الصلاتين لمن فاتته صلاة المغرب مع الإمام وقد أدركه في صلاة العشاء: فإنك لم توضح قصدك بفوات المغرب للشخص المذكور: هل هو لم يصلها أصلًا أم أنه صلاها منفردا أو في جماعة أخرى ثم أدرك إمامًا آخر في صلاة العشاء جامعًا إياها مع المغرب لسبب المطر؟ وسوف نجيبك على الاحتمالين:
1- إذا لم يكن قد صلى المغرب فإن أهل العلم قد اختلفوا في صحة فعلها خلف من يصلي العشاء؛ فمنهم من أجاز ذلك، ومنهم من منعه، وكنا قد بينا اختلافهم في ذلك، ويمكنك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 24949 بعنوان: لا حرج في اختلاف نية الإمام عن نية المأموم.
وعلى تقدير صحته؛ فله أن يحرم بنية المغرب، ثم إذا كمل ثلاث ركعات وقام الإمام إلى الرابعة جلس، ونوى المفارقة، وتشهد وسلم، ثم أحرم معه بنية العشاء. وراجع في هذا فتوانا رقم: 235867 بعنوان: أحكام صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء، وفيها تفصيل حالات إدراكه في كل ركعة.
2- إذا كان قد صلى المغرب غير ناو الجمع، ثم أدرك إمامًا آخر في صلاة العشاء جامعًا إياها مع المغرب، فله أن يدخل معه فيها مباشرة على قول بعض أهل العلم؛ فقد جاء في شرح الخرشي عند قول خليل: وجاز لمنفرد بالمغرب يجدهم بالعشاء.. قال: يعني أن من صلى المغرب فذا، أو في جماعة، ثم وجد جماعة يجمعون في العشاء، فإنه يجوز له أن يدخل معهم في العشاء؛ حيث كان يدرك معهم ركعة فأكثر لفضل الجماعة على مذهب المدونة للاكتفاء بنية الإمام عن نيته، فلا يقال: إن نية الجمع تكون عند الأولى، وقد فات محلها بفعلها من غير أن ينوي الجمع، وهذا يرده ما يأتي من جمع المنفرد بأحد المساجد الثلاثة، وأجيب أيضًا بأن كون نية الجمع عند الأولى في حق من أدرك الصلاة الأولى، ثم عبر بالجواز في هذا مع أنه مستحب لتحصيل فضل الجماعة لأجل المخرجات الآتية، وأما نية الإمام فتكون عند كل منهما... اهـ.
وجاء في جامع المسائل لابن تيمية: ... وكذلك من قدَّم العصر إلى وقت الظهر، وصلَّى العشاء وقت المغرب جمعًا للمطر لم يحتج أن ينوي الجمعَ، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا. وهذا قول جمهور العلماء؛ كمالك، وأبي حنيفة حيثُ يُجوِّز الجمعَ، وهو المعروف عن أحمد بن حنبل في أجوبته، لم يُوجب النيةَ في ذلك ولا جمهور قدماء أصحابه؛ كأبي بكر، وغيرِه، لكن الخِرقي ومتبعوه -كالقاضي أبي يعلى، وغيره- أوجبوا في الجمع النية، وهذا قول الشافعي. وأما أحمد: فلا أصلَ لهذا في كلامه، ولا في كلام جمهور الفقهاء من أصحابه، كما هو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وغيرهما، وهذا هو الصواب، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جمعَ بأصحابه بعرفةَ لم يكونوا يعرفون أنه يُصلِّي العصرَ بعد الظهر، ولا قال حينَ صَلَّوا الظهرَ: إنكم تجمعون إليها العصر. وكذلك لما جَمَع بهم بالمدينة فصلَّى سبعًا جمعًا وثمانيًا جمعًا لم يقل لهم: انْوُوا الجمعَ... اهـ.
والله أعلم.