الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقطاع الطريق أو المحاربون إذا امتنعوا وقاتلوا بالسلاح فلا خلاف في جواز قتالهم وإن أدى ذلك إلى قتلهم جميعا، وكذلك قتال من أعانهم وآواهم أو كان ردءا لهم، ومن قُتل منهم فدمه هدر، ومن قتلوه كان شهيدا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أجمع المسلمون على جواز مقاتلة قطاع الطريق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد"، فالقطاع: إذا طلبوا مال المعصوم لم يجب عليه أن يعطيهم شيئا باتفاق الأئمة، بل يدفعهم بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم، فإن قتل كان شهيدا، وإن قتل واحدا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرا. اهـ.
وقال أيضا: إذا طلبهم السلطان أو نوابه لإقامة الحد بلا عدوان فامتنعوا عليه فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء حتى يقدر عليهم كلهم، ومتى لم ينقادوا إلا بقتال يفضي إلى قتلهم كلهم قوتلوا وإن أفضى إلى ذلك، سواء كانوا قد قتلوا أو لم يقتلوا، ويقتلون في القتال كيفما أمكن في العنق وغيره، ويقاتل من قاتل معهم ممن يحميهم ويعينهم. اهـ. وقال الماوردي في (الأحكام السلطانية): نقول في المحاربين: إنهم إذا كانوا على امتناعهم مقيمين قوتلوا كقتال أهل البغي في عامة أحوالهم، ويخالفه من خمسة أوجه:
أحدها: إنهم يجوز قتالهم مقبلين ومدبرين؛ لاستيفاء الحقوق منهم، ولا يجوز اتباع من ولى من أهل البغي.
والثاني: أنه يجوز أن يعمد في الحرب إلى قتل من قتل منهم، ولا يجوز أن يعمد إلى قتل أهل البغي.
والثالث: أنهم يؤاخذون بما استهلكوه من دم ومال في الحرب وغيرها بخلاف أهل البغي.
والرابع: أنه يجوز حبس من أسر منهم لاستبراء حاله، وإن لم يجز حبس أحد من أهل البغي.
والخامس: أن ما اجتبوه من خراج وأخذوه من صدقات فهو كالمأخوذ غصبا نهبا لا يسقط عن أهل الخراج والصدقات حقا، فيكون غرمه عليهم. اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): اختلف الفقهاء في حكم الردء أي المعين للقاطع بجاهه أو بتكثير السواد أو بتقديم أي عون لهم ولم يباشر القطع، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن حكمه حكم المباشر؛ لأنهم متمالئون وقطع الطريق يحصل بالكل، ولأن من عادة القطاع أن يباشر البعض، ويدفع عنهم البعض الآخر، فلو لم يلحق الردء بالمباشر في سبب وجوب الحد لأدى ذلك إلى انفتاح باب قطع الطريق. وقال الشافعية: لا يحد الردء، وإنما يعزر كسائر الجرائم التي لا حد فيها. اهـ.
والله أعلم.