الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أمكنك أن تُحصِل كوب الماء بنفسك دون مشقة، فالأولى ألا تسأل غيرك، ويخشى أن تقع في المكروه؛ فالأصل ألا يسأل العبد الناس شيئا، كما بينا بالفتوى رقم: 267397.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في العبودية: وَأوصى خَواص أَصْحَابه أَلا يسْأَلُوا النَّاس شَيْئا وَفِي "الْمسند": (أَن أَبَا بكر كَانَ يسْقط السَّوْط من يَده فَلَا يَقُول لأحد: ناولني إِيَّاه وَيَقُول: إِن خليلي أَمرنِي أَلا أسأَل النَّاس شَيْئا) وَفِي "صَحِيح مُسلم" وَغَيره عَن عَوْف بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَايعه فِي طَائِفَة وَأسر إِلَيْهِم كلمة خُفْيَة: "أَن لَا يسْأَلُوا النَّاس شَيْئا" فَكَانَ بعض أُولَئِكَ النَّفر يسْقط السَّوْط من يَد أحدهم وَلَا يَقُول لأحد: ناولني إِيَّاه، وَقد دلّت النُّصُوص على الْأَمر بِمَسْأَلَة الْخَالِق وَالنَّهْي عَن مَسْأَلَة الْمَخْلُوق فِي غير مَوضِع كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِذا فرغت فانصب * وَإِلَى رَبك فارغب} [7 الشَّرْح] وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَبَّاس: "إِذا سَأَلت فأسال الله واذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه" وَمِنْه قَول الْخَلِيل: {فابتغوا عِنْد الله الرزق} [17 العنكبوت] وَلم يقل: فابتغوا الرزق عِنْد الله؛ لِأَن تَقْدِيم الظّرْف يشْعر بالاختصاص والحصر، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَبْتَغُوا الرزق إِلَّا عِنْد الله وَقد قَالَ تَعَالَى [32 النِّسَاء] : {واسألوا الله من فَضله} .انتهى.
وأما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من زوجاته مناولة بعض الأشياء كقوله لعائشة: ناوليني الخمرة من المسجد، وغير ذلك، ومثله الطلب من الولد، والخادم؛ فهو سؤال من له عليه حق؛ كما أنه لا بأس باستئجار إنسان لإتمام عمل، وسؤاله أن يُتم العمل، فليس هذا من السؤال المذموم.
والله أعلم.