الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلم يقل شيخ الإسلام ابن تيمية: إن خلق شيء لا من شيء، لا يدخل تحت القدرة، والإمكان! وإنما نفى شهود حدوث ذلك، كما قال في (بيان تلبيس الجهمية): فأما حدوث الذوات ابتداءً من غير سبق مادة، ولا طينة، فهذا شيء ما شاهدناه البتة. اهـ.
وقال في (النبوات): المشهود المعلوم للناس إنّما هو إحداثه لما يحدثه من غيره، لا إحداثاً من غير مادة. اهـ.
فليس كلامه في الإمكان، وقدرة الله سبحانه على ذلك، وإنما كلامه في الواقع الذي أخبرنا الله عنه في كتابه، ولذلك قال بعدها: ولهذا قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئَاً} ولم يقل خلقتك لا من شيء، وقال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} ولم يقل خلق كل دابة لا من شيء، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ... اهـ.
وقد أراد شيخ الإسلام بكلامه هذا ـ كما أشرنا سابقا ـ الرد على المتكلمين، والفلاسفة في ما زعموه من أزلية المادة، وما ترتب على ذلك من القول بأن الجواهر كلها أُبدعت ابتداءً لا من شيء.
وهذا الموضوع له علاقة أيضا بمسألة تسلسل الحوادث في الماضي في النوع، لا في الأعيان والأفراد، وقد أحلناك في ذلك سابقا على الفتويين: 135105، 190011.
والله أعلم.