الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في الكيفية التي وسوس بها الشيطان لآدم وحواء -عليهما السلام- فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء: أغواهما مشافهة.
ودليل ذلك قوله تعالى: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21]. تفسير القرطبي ج1 ص 214.
وقال البيضاوي: واختلف في أنه تمثل لهما قفاولهما بذلك، أو ألقاه إليهما عن طريق الوسوسة، واختلف كيف توصل إلى الوسوسة إليهما بعدما قيل له: (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [الحجر:34].
فقيل: إنه مُنع الدخول على جهة التكريم، كما كان يدخل مع الملائكة، ولم يمنع أن يدخل ذليلاً حقيراً ابتلاء لآدم وحواء، وقيل: قام عند الباب فناداهما. وقيل: دخل في فم الحية حتى دخلت به. اهـ.
وذكر القرطبي عن عبد الرزاق عن وهب بن منبه قال: دخل إبليس الجنة في فم الحية، وهي ذات أربع كالبُخْتِيَة من أحسن دابة خلقها الله تعالى بعد أن عرض نفسه على كثير من الحيوان فلم يدخله الجنة، فلما دخلت به الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله آدم وزوجه عنها، فوسوس لحواء أولا حتى أكلت منها، ثم أغوى آدم، وقالت له حواء: كل فإني أكلت منها، فلم تضرني، فأكل منها فبدت لهما سوآتهما، وحصلا في حكم الذنب، فقال الله لآدم: اهبط إلى الأرض التي خلقت منها، ولعنت الحية، وردت قوائمها في جوفها، وجُعِلت العداوة بينها وبين بني آدم، ولذلك أمرنا بقتلها...
ثم قال: وقالت طائفة: إن إبليس لم يدخل الجنةإلى آدم بعدما أخرج منها، وإنما أغوى بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".
وعلى هذا، فإن أهل التفسير قد اختلفوا في الكيفية التي وسوس بها الشيطان لآدم عليه السلام، ولعل الراجح من أقوالهم في ذلك هو ما صدَّر به كثير من المفسرين هذه الأقوال، وهو قول ابن مسعود وابن عباس: أن الوسوسة كانت مشافهة.
واستدلوا لذلك بقوله تعالى: وَقَاسَمَهُمَا، والمقاسمة ظاهرها المشافهة، وإن دخوله إلى الجنة بعد الطرد منها كان دخول الذليل المحتقر.
والله أعلم.