الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الشرع بصلة الرحم، ونهى عن قطعها حتى لمن يقطعها، ولم يحدد لصلة الرحم أسلوبًا معينًا، أو قدرًا محددًا، وإنما المرجع في ذلك إلى العرف، واختلاف الظروف، فقد تحصل الصلة بالزيارة، والاتصال، والمراسلة، والسلام، وكل ما يعده العرف صلة.
قال القاضي عياض: وللصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة، والحاجة؛ فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له أن يفعله، لا يسمى واصلًا. نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
ومن ثم، فإن من لديه مشاغل تمنعه من تأدية الصلة على أكمل أوجهها، فإن له في بقية الصور التي يقدر عليها مندوحة، كالاتصال، والسؤال عن الأحوال، والمساعدة بالمال، والدعاء ونحو ذلك مما لا يعجز عنه في الغالب، فإذا قصر فيما يقدر عليه من ذلك عد قاطعًا للرحم، ولو لم تكن عنده نية قطع الرحم.
وأما إن فعل ما يستطيع من صور الصلة المختلفة فلا يسمى قاطعًا، وأدنى درجات الصلة أن لا يهجرهم، وأن يصلهم بالسلام، كما مر في كلام القاضي عياض.
والله أعلم.