الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاسم الله: (الأول) لا يعني فقط أنه ليس قبله شيء، ولكن يدل أيضا على أنه ليس لأوليته ابتداء، لكمال أوليته، وكونها مطلقة.
وهذا نظير اسمه الآخر، فإنه كما يدل على أنه ليس بعده شيء، يدل كذلك على بقائه، وكون آخريته ليس لها انتهاء.
كما قال ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة رسالته في عقيدة السلف: ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء. اهـ.
قال العباد في شرحها (قطف الجني الداني): معنى قول ابن أبي زيد هذا: أنَّ الله لم يسبقه عدمٌ، ولا يلحقه عدم، وأمَّا المخلوقات فلها بداية سبقها عدم، ولها نهاية يلحقها عدم. اهـ.
وقال الطحاوي في عقيدته: قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء. اهـ.
قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه: قول الشيخ: "قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء" هو معنى اسمه الأول والآخر. والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقر في الفطرة ...
وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى (القديم) وليس هو من أسماء الله تعالى الحسنى، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن: هو المتقدم على غيره، فيقال: هذا قديم، للعتيق، وهذا حديث، للجديد. ولم يستعمل هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم. اهـ.
وقال حافظ حكمي في (سلم الوصول):
الأول المبدي بلا ابتداء ... والآخر الباقي بلا انتهاء. اهـ.
وأورد في شرحه (معارج القبول) ما في الصحيحين عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: قد بشرتنا، فأعطنا. مرتين. ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال: "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم" قالوا: قبلنا يا رسول الله. قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض".
ومما يدل على ذلك أيضا اسمه: (الحي) سبحانه، فمن كمال حياته أنها لم تسبق بعدم، كما لا يلحقها فناء.
قال أبو إسحاق الزجاج في (تفسير أسماء الله الحسنى): الحي يفيد دوام الوجود، والله تعالى لم يزل موجودا، ولا يزال موجودا. اهـ.
وقال أبو القاسم الزجاجي في (اشتقاق أسماء الله): الحي في كلام العرب: خلاف الميت .. فالله عز وجل الحي الباقي الذي لا يجوز عليه الموت، ولا الفناء عز وجل وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. اهـ.
وكذلك يدل عليه اسمه تعالى: (الصمد) فإن من معانيه: الأزلية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال الحسين بن الفضل: هو الأزلي بلا ابتداء. اهـ.
وأخيرا ننبه على أن وجود الله تعالى في الأزل، والأبد مقرر في الفطرة، وهو من مقتضيات الإيمان بكمال الله تعالى، وكمال صفاته, وتقدسه عن أنواع النقائص كلها.
والله أعلم.