الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الجملة ـ الصلاة جامعة ـ معناها: اجتمعوا للصلاة، أو تُصلى الآن صلاة ذات جماعة، قال ابن علان في شرح رياض الصالحين: قال القرطبي: خبر بمعنى الأمر كأنه قال اجتمعوا للصلاة. اهـ
وعندما يجتمعون يصلي بهم ثم يحدثهم بما جمعهم له، كما في قصة الجساسة التي أخبر بها تميم الداري بعد ما أسلم في حديث فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ الطويل الذي رواه مسلم وغيره قالت: سَمِعْتُ نِدَاء الْمُنَادِي ـ مُنَادِي رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُنَادِي: الصَّلاَةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فَلَمَّا قضَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَتَهُ، جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جمَعْتُكُمْ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِنِّي، وَالله مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَة وَلاَ لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِي، كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.. الحديث.
وكما في حديث عَبْد اللهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ في صحيح مسلم قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ... الحديث.
وذكر شراح الحديث هنا أنه صلى بهم، قال ابن علان: فلما جاؤوا صلّوا معه، وسكت الراوي عن ذلك، وإلا فمن المحال أن ينادي منادي الصادق بالصلاة، ولا صلاة. اهـ
وكان ينادى بها للصلاة المفروضة وللاجتماع للأمور الهامة ـ كما رأيت ـ فلما شرع الأذان خص بالصلوات الخمس، وبقيت الصلاة جامعة للصلوات غير المفروضة كصلاة الكسوف وغيرها عند بعض أهل العلم، وانظر مذاهبهم في الفتوى رقم: 32063.
والله أعلم.