الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقطع الذي ذكره السائل الكريم واستشكل معناه جزء من الآية (116) من سورة المائدة، جاء في سياق الحديث عن عيسى -عليه السلام-، وأن الله -تعالى- يسأله يوم القيامة، يوم يجمع الله الخلائق والأنبياء والرسل، ويوجه إليه هذا السؤال توبيخًا لمن ادعى له الألوهية على رؤوس الأشهاد.
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:116].
قال المفسرون: بدأ عيسى كلامه بالتسبيح قبل الإجابة؛ تنزيهًا لله -تعالى- عما أضيف إليه، وخضوعًا لعظمته وعزته، وخوفًا من سطوته. اهـ.
وقوله -تعالى- حكاية عن عيسى -عليه السلام-: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]. قال القرطبي: تعلم سري وما انطوى عليه ضميري الذي خلقته، ولا أعلم شيئًا مما استأثرت به في غيبك وعلمك إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما كان وما يكون وما لم يكن وما هو كائن. اهـ.
ولعله أشكل عليك إثبات النفس لله تعالى، ولا إشكال في ذلك، فهذا مما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]. وقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54].
وفي الحديث القدسي: إني حرمت الظلم على نفسي. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: سبحان الله رضا نفسه. وانظر الفتوى: 3523.
والله أعلم.