الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحكم بالكفر على المسلم أمر خطير، والمرجع فيه إلى الشرع الحكيم، لا إلى أهواء الناس، وإلا لانتشر الفساد وعمت الفوضى؛ قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ {المؤمنون:71}.
وقد بين أهل العلم الأسباب الموجبة للكفر، ويمكن مطالعتها في الفتوى رقم: 231388، ثم إن للتكفير ضوابط تجب مراعاتها، فلا يحكم بالكفر على كل من صدر عنه قول أو فعل مكفر؛ لأن التكفير يتوقف على توفر شروط، وانتفاء موانع، كما قرر ذلك علماؤنا، ولتراجع في ضوابط التكفير الفتوى رقم: 721.
فإذا كان هذا الرجل مسلمًا فحُكْم هؤلاء عليه بالكفر لا يغير من الحقيقة شيئًا، ولا تزال هذه المرأة في عصمته، فلا عبرة بانفصالها عنه؛ لأن ذلك مبني على باطل، وما بني على باطل فهو باطل. ويترتب على ذلك: بطلان هذا الزواج الثاني؛ فلا اعتبار له شرعًا، ولا ما تضمنه من شروط ولو كانت شروطًا صحيحة، فضلًا عن أن تكون باطلة، فالقاعدة عند الفقهاء: أن المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًّا.
ولا يطؤها زوجها حتى يستبرئها بحيضة؛ جاء في الشرح الممتع لابن عثيمين: وقوله: «أو بعقد فاسد» كذلك الموطوءة بعقد فاسد تكون عدتها كمطلقة، وهذا صحيح؛ لأن الذي عقده يعتقد أنه صحيح، وأما العقد الباطل: فإنها على القول الصحيح لا تعتد كمطلقة؛ لأن العقد الباطل وجوده كعدمه، ولا يؤثر شيئًا، والفرق بين العقد الباطل والفاسد: أن الباطل ما اتفق العلماء على فساده، والفاسد ما اختلفوا فيه. واختار شيخ الإسلام -رحمه الله- في هذا كله أنه لا عدة، وإنما هو استبراء، وهو القول الراجح؛ لأن الله تعالى إنما أوجب ثلاث حيض على المطلقات من أزواجهن، وعليه؛ فلا عدة بالقروء الثلاثة إلا للمطلَّقة فقط. اهـ.
والله أعلم.