الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالانتحار ـ رغم بشاعته، وعظم وزره ـ لا يعد فعلًا مخرجًا من الملة كما نبهنا عليه في فتاوى كثيرة، انظري منها الفتوى رقم: 12658، والفتوى رقم: 5671.
ومن يعتقد بأنه كفر فاعتقاده غير صحيح، ولو مات على ذلك الاعتقاد لا يحكم بكفره ما لم يفعل ما يقتضي الكفر، فالردة عن الإسلام تحصل بأمور معلومة صريحة في الكفر، أو مقتضية له، وما سواها لا يعد ردة، يقول الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ: الردة تكون بالاعتقاد، وبالقول، وبالفعل، وبالترك، هذه أربعة أنواع للردة، بالاعتقاد كأن يعتقد ما يقتضي الكفر، وظاهره الإسلام، مثل حال المنافقين، وتكون بالقول كالاستهزاء بالله ـ عزّ وجل ـ والقدح فيه، أو في دينه، أو ما أشبه ذلك، وتكون بالفعل كالسجود للصنم، وتكون بالترك كترك الصلاة مثلاً، وكترك الحكم بما أنزل الله رغبة عنه، أما كراهة ما أنزل الله فهي بالاعتقاد؛ لأنها داخلة في عمل القلب. اهـ
لكن إذا كان الشخص يعتقد أن من مات منتحرًا كافر، وانتحر مختارًا مريدًا للكفر راضيًا به فهو كافر -والعياذ بالله-، جاء في فتح الباري تعليقًا على قوله صلى الله عليه وسلم: من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال. ما نصه: فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق: فينظر فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك كفر؛ لأن إرادة الكفر كفر. اهـ
وفي المدونة: أنه سئل عبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن قال الرجل: أنا كافر بالله إن فعلت كذا وكذا، أيكون هذا يمينًا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا يمينًا، ولا يكون كافرًا حتى يكون قلبه مضمرًا على الكفر، وبئس ما صنع. اهـ.
والله أعلم.