الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يبتلي الله تبارك وتعالى فيها عباده بالخير والشر، والفقر والغنى، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}، وما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كان فيها خير له، علم ذلك أم جهله، روى أحمد في مسنده عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت للمؤمن إن الله لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له. فاتق الله واصبر لتنال الأجر العظيم، وراجع في فضل الصبر في الفتوى رقم: 18103.
وأنت مطالب بالاجتهاد في الدعاء، فاحمل همه بالسعي في تحقيق آدابه وشروطه، وقد بيناها في الفتوى رقم: 119608، فهذا ما يعنيك، وأما أمر إجابة الدعاء وتوزيع الأرزاق، والعطاء والمنع فهو إلى الله تعالى، فإن أعطى أعطى لحكمة، وإن منع منع لحكمة، وقد يكون العطاء في حق بعض الناس خيرا له، ويكون المنع في حق آخرين خيرا لهم، قال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ {الشورى:27}، وقد استشهد الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية بالحديث الذي أخرجه الطبراني والديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل، فقال: يا محمد؛ ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا القلة ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر. والحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه صحيح، ولذا أورده الإمام ابن كثير ولم يعلق عليه، وكذا أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته المسماة بقاعدة في المحبة.
وههنا أمر آخر، وهو أن الله سبحانه قد يدخر لعبده بسبب دعائه ما هو خير له وأصلح، ففي مسند أحمد عن أبي سعيد ـ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر. فما عليك إلا الإكثار من الدعاء، ولك أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خير بين أن يكون ملكا رسولا، أو عبدا رسولا، فاختار أن يكون عبدا رسولا، وعاش فقيرا ومات فقيرا، ففي مسند أحمد أيضا عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت: يا خالة؛ فعلى أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين التمر والماء.
وقد ذكرت في سؤالك أمرين خطيرين:
أولهما: نقمتك على توزيع ربك للرزق والنصيب والأقدار، فإن كانت مجرد وساوس تدفعها فإنها لا تضرك، ومدافعتها دليل إيمان، وراجع في هذا الفتوى رقم: 28751، ويجب الحذر من جعلها تستقر في القلب ويترتب عليها اعتقاد فاسد أو عمل.
ثانيهما: تفكيرك في الانتحار، فاجتهد في مدافعة هذه الأفكار حتى لا يترتب عليها فعل فتهلك، ومن أجل ماذا تنتحر؟! أمن أجل دنيا حقيرة لا تساوي عند الله شيئا، ومن جمعها ربما عذب بها، ومن جمعها راح وتركها؟! ومتى كان الانتحار علاجا أو انتقالا من شقاء إلى سعادة، فهو انتقال من شقاء إلى شقاء أعظم منه فتنبه لهذا، فأنت أعقل من أن تقدم على ما لا يفعله إلا جاهل أحمق، وراع في خطورة الانتحار الفتوى رقم: 10397.
وفي الختام نقول لك: أكثر من ذكر الله وشكره، فبالذكر يطمئن القلب، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 12928، ففيها بعض التوجيهات النافعة.
والله أعلم.