الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك، وأن يقيك شر نفسك، وشر الشيطان وشركه.
فما ذكرته سواء في حكم الصلاة، أو الشك في الكفر، ما هو إلا أثر للوسوسة! وقد ظهر من سؤالك أنك على علم بحكم الموسوس، وما له من الرخصة في البناء على الأكثر واطراح شكه، ومع ذلك لم تدعك نفسك ولا الشيطان حتى شككاك من شكك، وهذا أمر يطول، وليس له من مخرج إلا الإعراض عنه بالكلية، وقبول الرخصة الشرعية في حق الموسوس. وأهم من ذلك: الإعراض عن وساوس الكفر، فليس هناك علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، لما ذكرت في سؤالك ـ بموضوع الكفر؛ حتى ولو قلنا بكفر من يصلي ويترك، لأنك لم تتعمد إخراج الصلاة عن وقتها، بل إنك قد صليتها بالفعل، ولكنه الشك أعاذك الله من شره.
ثم ننبه الأخ السائل إلى أن حاله في الشك ظاهر بيِّن، فلا يحتاج لأن يتذكر: هل جاءه الشك بالأمس أم لا ؟ ولا يحتاج لفصل الوضوء عن الصلاة ليحكم باستنكاح الشك عنده، فشكه مستنكح بلا ريب. فاعمل -يرحمك الله- بالرخصة، ولا تفتح على نفسك باب العناء والمشقة، فإن الوسوسة مرض شديد، وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، وقد بدا ذلك على حال السائل حيث يقول: (يؤثر على صحتي العقلية، والجسدية، والنفسية، وعلى علاقاتي)!!!
فارفق بنفسك، وكف عن اتباع آثار الوسوسة، واستمع لهذه النصيحة الذهبية، فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة: هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافَّة، وإن كان في النفس من التردد ما كان؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون. وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها ... فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقًا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر: 6] ... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأنه يقاتله، فيكون له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فرّ عنه. اهـ.
والله أعلم.