الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهدي خالاتك، وأن يصلح ما بينكم.
والأصل وجوب صلة الرحم، ولا يُسقطها كونهن آذين والدتك، بل الواجب صلتهن، ونهيهن عن هذا المنكر، وانظر الفتويين: 202084، 207574.
ويستثنى من ذلك: ما إذا غلب على الظن أن الهجر يفيد في إرجاعهن عن الإفساد والإيذاء، فيجوز -حينئذ- هجرهن لتحقيق هذه المصلحة الشرعية، والهجر في هذه الحال لا يكون قطيعة، بل هو من تمام الصلة والنصرة المطلوبة، لحديث أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ. رواه البخاري.
وانظر الفتوى رقم: 264070، وتوابعها.
أمّا إن كانت مقاطعتك لهن أو لإحداهن لما يلحقك من ضرر، فلا حرج عليك في المقاطعة؛ قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه؛ فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وننبهك أنّ الشرع لم يجعل لصلة الرحم أسلوبًا معينًا أو أوقاتًا محددة، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف، ويختلف باختلاف أحوال الناس، فلا تتعين الزيارة وسيلة لصلة الرحم، وإنما قد يكفي السؤال بوسائل الاتصال الحديثة -وهي ميسرّة بفضل الله- كما أن لصلة الرحم درجات متفاوتة، قال القاضي عياض: وللصلة درجات؛ بعضها أرفع من بعض، وأدناها: ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام -ولو بالسلام-، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة؛ فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلًا.
وانظر الفتوى رقم: 128709.
والله أعلم.