الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صفات الله تعالى لا تشبه صفات خلقه؛ لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {الشورى:11}، وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ {الإخلاص:4}.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس.
والله تعالى له الجمال المطلق ولا يساويه فيه أحد من خلقه، فإن جمال الخلق من بعض آثار جماله وأفضاله سبحانه وتعالى، فقد قال المناوي: إن الله جميل أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال، يحب الجمال أي التجمل منكم في الهيئة، أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، والعفاف عن سواه. انتهى
وقال ابن القيم في نونيته :
وهو الجميل على الحقيقة كيف لا * وجمال سائر هذه الأكوان
مـن بـعض آثار الجميـل فربـهـا * أولى وأجدر عند ذي العرفان
فـجـمـالـه بالـذات والأوصـاف * والأفعال والأسماء بالبرهـان
قال الهراس في شرح نونية ابن القيم : وأما الجميل فهو اسم له سبحانه من الجمال، وهو الحسن الكثير، والثابت له سبحانه من هذا الوصف هو الجمال المطلق، الذي هو الجمال على الحقيقة، فإن جمال هذه الموجودات على كثرة ألوانه وتعدد فنونه هو من بعض آثار جماله، فيكون هو سبحانه أولى بذلك الوصف من كل جميل؛ فإن واهب الجمال للموجودات لا بد أن يكون بالغا من هذا الوصف أعلى الغايات، وهو سبحانه الجميل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، أما جمال الذات؛ فهو ما لا يمكن لمخلوق أن يعبر عن شيء منه أو يبلغ بعض كنهه، وحسبك أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم وأفانين اللذات والسرور التي لا يقدر قدرها، إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله، نسوا كل ما هم فيه، واضمحل عندهم هذا النعيم، وودوا لو تدوم لهم هذه الحال، ولم يكن شيء أحب إليهم من الاستغراق في شهود هذا الجمال، واكتسبوا من جماله ونوره سبحانه جمالا إلى جمالهم، وبقوا في شوق دائم إلى رؤيته، حتى إنهم يفرحون بيوم المزيد فرحا تكاد تطير له القلوب... اهـ
ولا يعبّر في حق الله تعالى بالجزء والكل.
والله أعلم.