الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن التغير ليس شيئًا يقوم بنفسه، وإنما هو وصف محمول في غيره، فهو بذلك عرض لا جوهر؛ قال ابن حزم في (التقريب لحد المنطق): الخلق ينقسم قسمين لا ثالث لهما أصلًا: شيء يقوم بنفسه ويحمل غيره، فاتفقنا على أن سميناه جوهرًا. وشيء لا يقوم بنفسه ولا بد أن يحمله غيره، فاتفقنا على أن سميناه عرضًا. فالجوهر هو جرم الحجر والحائط والعود وكل جرم في العالم. والعرض هو طوله وعرضه ولونه وحركته وشكله وسائر صفاته هي محمولة في الجرم. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 118323.
ولا ريب في أن كل تغير حادث في الكون، إنما هو من خلق الله تعالى، ومن جملة قضائه وقدره، قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]. قال ابن عطية في (المحرر الوجيز): قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} أي: يظهر شأن من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن، من إحياء وإماتة، ورفعة وخفض، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى. والشأن: اسم جنس للأمور. قال الحسين بن الفضل: معنى الآية: سوق المقادير إلى المواقيت. وورد في بعض الأحاديث: «إن الله تعالى له كل يوم في اللوح المحفوظ ثلاثمائة وستون نظرة، يعز فيها ويذل، ويحيي ويميت، ويغني ويعدم، إلى غير ذلك من الأشياء، لا إله إلا هو» وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية فقيل له: ما هذا الشأن يا رسول الله؟ قال: "يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع ويضع". اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 169539.
ومن هنا نعلم: أن الزمن والعمل لا يخرجان عن القدر، بل هما من جملته، فعطفهما عليه يكون مشكلًا، وعلى ذلك؛ فقول السائل: (التغيير يحدث عبر ثلاث طرق: القدر والزمن والعمل) فيه نظر!
وأما تعريف التغير: فقال التهانوي في (كشاف اصطلاحات الفنون): التغير في اللغة: هو كون الشيء بحال لم يكن له قبل ذلك. وفي الاصطلاح يطلق على معنيين؛ أحدهما: التغيّر الدّفعي، وهو أن يتغيّر الشيء في ذاته حقيقة، وهذا يسمّى كونًا وفسادًا، كالخبز إذا صار لحمًا بعد الأكل. وثانيهما: التغيّر التّدريجي، وهو أن يتغيّر في كيفيته مع بقاء صورته النوعية. وهذا يخصّ باسم الاستحالة. فالتغيّر الحاصل لذات الغذاء عند وروده لأكبادنا من قبيل الأول؛ لأنه عند وروده إليها يخلع الصورة الغذائية ويلبس الصورة الخلطيّة. والتغيّر الحاصل للدواء عند وروده إلى أبداننا من قبيل الثاني؛ فإنّه عند وروده إليها يتغيّر منها كيفيته، وصورته النوعية باقية. هكذا في بحر الجواهر. اهـ.
وقال المناوي في (التوقيف على مهمات التعاريف): التغير: انتقال الشيء من حالة لأخرى، ذكره ابن الكمال. وقال الراغب: التغيير يقال على وجهين؛ أحدهما: لتغيير صورة الشيء دون ذاته، يقال: غير داره إذا بناها غير الذي كان. الثاني: لتبديله بغيره، نحو غيرت غلامي ودابتي، أبدلتها بغيرهما. اهـ.
والله أعلم.