الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حيث المبدأ: لا نرى مانعًا من كتابة ونشر مثل هذا الحوار التخيلي الذي يراد منه الوعظ والتذكير! حكمه في ذلك حكم تأليف القصص الخيالية، وضرب الأمثال الوهمية، والحكايات على ألسنة الحيوانات، ونحو ذلك، لتقريب المعاني وإيضاح الأفكار، ومعالجة قضايا الواقع بطرق ملفتة للنظر وجاذبة للانتباه، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 13278، 109936، 139334.
ومما يستأنس به في ذلك: ما ذكره عبد الحق الإشبيلي في (العاقبة في ذكر الموت)، والقرطبي في (التذكرة)، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه مرّ بالمقابر فوقف عليها فقال: "السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وبكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي في جميع أحواله عن الله تعالى. ثم قال: يا أهل القبور! أما الزوجات فقد نكحت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت. هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما إنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى".
ويبقى النظر بعد ذلك في صحة عبارات هذا الحوار ومعانيه. ففيها ما ينبغي تعديله، كقول الميت لصاحبه: (والله هو يحبك) يعني الله تعالى، فإن الله تعالى لا يحب كل البشر؛ فقد نص القرآن على نفي هذه المحبة في حق من لا يستحقها؛ كالظالمين، والمعتدين، والمفسدين، والخائنين، والفرحين بالدنيا المنشغلين بزينتها، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57]، وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [المائدة: 64]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]. قال السعدي: أي: لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، وتفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن الله لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها. اهـ.
وقال ابن كثير: قال ابن عباس: يعني المرحين. وقال مجاهد: يعني الأشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم. اهـ.
والله أعلم.