الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك في حرمة ما يفعله زميلكم وما يفعله الممثلون، وكونه من اللمم لا يفيد إباحته، فإن اللمم من الزنى، فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
والواجب عليكم هو نصحه ونهيه عن المنكر، وترهيبه منه بالنصوص المرهبة من مخالطة النساء ومسهن مثل قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني.
وأما عن الهجر: فيشرع إن كان يفيد في ردعه عن المعصية، لأنه حينئذ يعتبر إنكارا للمنكر، وإن كان الهجر لا يؤثر عليه لوجود أصحاب وأقارب آخرين يأنس بهم عنك، ويستعين بهم فليس في هجره فائدة، فلا ينبغي هجره, ولا الملل من كثرة دعوته ومناصحته ومحاورته، وجداله بالتي هي أحسن, وبيان الحق له حتى يرجع للرشد والصواب، كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن كان في الهجر مصلحة، أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعًا لغير العاصي عن المعصية، أو موجبًا لإقلاع العاصي عن معصيته، كان الهجر حينئذ جائزًا، بل مطلوبًا طلبًا لازمًا، أو مرغَّبًا فيه، حسبَ عظم المعصية التي هجر من أجلها، قال: ودليل ذلك قصة كعب بن مالك وصاحبيه ـ رضي الله عنهم ـ وهم الثلاثة الذين خلفوا، فقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهجرهم، ونهى عن تكليمهم، فاجتنبهم الناس، حتى إن كعبًا ـ رضي الله عنه ـ دخل على ابن عمه أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ وهو أحب الناس إليه، فسلّم عليه فلم يرُدّ عليه السلام، فصار بهذا الهجر من المصلحة العظيمة لهؤلاء الثلاثة من الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة النصوح والابتلاء العظيم ولغيرهم من المسلمين ما ترجحت به مصلحة الهجر على مصلحة الوصل، ثم قال: أما اليوم: فإن كثيرًا من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلا مكابرةً وتماديًا في معصيتهم، ونفورًا وتنفيرًا عن أهل العلم والإيمان، فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم، ثم قال مؤصِّلًا القاعدة: وعلى هذا فنقول: إن الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء، وأما إذا لم يكن فيه شفاء، أو كان فيه إشفاء ـ وهو الهلاك ـ فلا يستعمل، فأحوال الهجر ثلاث:
ـ إما أن تترجح مصلحته، فيكون مطلوبًا.
ـ وإما أن تترجح مفسدته، فيُنهى عنه بلا شك.
ـ وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا، فالأقرب النهي عنه، لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. انتهى.
وأما عن فضحه: فلا ينبغي، فقد حض الشرع على الستر مع النصح للمسلم ونهيه عن المنكر، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: أجمع العلماء على أن من اطلع على عيب أو ذنب، أو فجور لمؤمن من ذوي الهيئات أو نحوهم ممن لم يعرف بالشر والأذى، ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعيا إليه، كأن يشرب مسكرا، أو يزني، أو يفجر متخوفا متخفيا غير متهتك، ولا مجاهر يندب له أن يستره، ولا يكشفه للعامة أو الخاصة، ولا للحاكم أو غير الحاكم، للأحاديث الكثيرة التي وردت في الحث على ستر عورة المسلم، والحذر من تتبع زلاته، ومن هذه الأحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ـ وفي رواية: ستره الله في الدنيا والآخرة ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته ـ ولأن كشف هذه العورات والعيوب، والتحدث بما وقع منه قد يؤدي إلى غيبة محرمة، وإشاعة للفاحشة، قال بعض العلماء: اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب، قال الفضيل بن عياض: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير. اهـ.
والله أعلم.