الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بيّنّا سبب الخلاف في حدّ عمل قوم لوط في الفتوى رقم: 253762. وأن من قال: (إن حده الرجم بكرًا كان أم ثيبًا) قد استدلوا بحديث: (فاقتلوا الفاعل، والمفعول به). وهو حديث مختلف في صحته؛ فقد أشار الترمذي إلى ضعفه، وضعفه ابن حزم، وجماعة، وقد صححه الإمام أحمد، وغيره. ولكنه مع هذا الاختلاف في صحته فإنه معتضد بإجماع الصحابة كما ذكر ابن قدامة -رحمه الله- في المغني، وقد حكى اتفاق الصحابة على القتل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى حيث قال: وفي السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. ولهذا اتفق الصحابة على قتلهما جميعًا، لكن تنوعوا في صفة القتل؛ فبعضهم قال: يرجم. وبعضهم قال: يرمى من أعلى جدار في القرية ويتبع بالحجارة. وبعضهم قال: يحرق بالنار. ولهذا كان مذهب جمهور السلف والفقهاء أنهما يرجمان بكرين كانا أو ثيبين، حرين كانا أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوكًا للآخر، وقد اتفق المسلمون على أن من استحلها بمملوك، أو غير مملوك فهو كافر مرتد. انتهى.
وكذلك ذكرنا في الفتوى السابقة أن من قال: (إن حده حد الزنا) قد استدلوا بحديث: (إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان). وقد ضعفه جماعة؛ منهم: البيهقي، وابن الملقن، والهيثمي، والألباني.
فأنت ترى أن كلا الحديثين قد ضعفهما جمع من أهل العلم، ولكن حديث: (فاقتلوا الفاعل والمفعول به) اعتضد باتفاق الصحابة.
وبهذا تعلم دليل قول جمهور الفقهاء القائلين بأن حد اللواط القتل، وأنهم لم يخفَ عليهم حديث: إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان.
وأما قولك: هل يجاب بأنه ليس هناك نص ويحق للقاضي التعزير بما شاء؟ فهذا القول قد قال به الإمام أبو حنيفة، والحاكم، وهو القول الثالث في المسألة؛ إلا أن التعزير عندهم يكون فيما دون عقوبة الزاني؛ قال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي: وذهب الحاكم والإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهي التعزير؛ قالوا: لأنه معصية من المعاصي لم يقدر الله ولا رسوله فيه حدًّا مقدرًا فكان فيه التعزير كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير. انتهى.
والله أعلم.