الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة من مسائل النزاع المشهورة، فقد ذهب كثير من أهل العلم أو أكثرهم إلى استحباب قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة، وذهب بعضهم إلى المنع من شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم، ونصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وأيده بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى.
وكتب شيخ الإسلام في ذلك مصنفات عدة، وسبقه إلى هذا القول القاضي عياض وأبو محمد الجويني ـ والد إمام الحرمين ـ وابن بطة، وابن عقيل من الحنابلة، ورد على شيخ الإسلام معاصروه كالسبكي، وعلى السبكي رد ابن عبد الهادي تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: الصارم المنكي في الرد على السبكي ـ والحاصل أن المسألة من مسائل النزاع المشهورة، وبسط حجج الفريقين واستيفاء ما لهم من المآخذ يطول جدا فعليك بمظانه، والذي نختاره في موقعنا هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ومن وافقه من أن شد الرحل لزيارة قبره الشريف غير مشروع، وانظر الفتوى رقم: 33931.
وإنما يشد الرحل لزيارة مسجده الشريف ثم تكون زيارة القبر تابعة لزيارة المسجد، وليس معنى هذا أن زيارة القبر الشريف غير مشروعة، بل زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم مسنونة إذا وجد الشخص بالمدينة النبوية على ساكنها الصلاة والسلام، فهو يشد الرحل لزيارة المسجد، فإذا صار في المدينة زار قبره صلى الله عليه وسلم تبعا لزيارة المسجد، وليس كون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بألف صلاة مرغبا عن زيارة مسجده الشريف، بل هذا من أعظم المرغبات فيها وإن كانت الصلاة في مكة أعظم أجرا وأكثر مثوبة، لكن المسلم تتوق نفسه لزيارة مسجده الشريف صلى الله عليه وسلم مع ما له في ذلك من الأجر العظيم، وأما ما جاء من الأحاديث في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم أو زيارته بعد وفاته، فكلها من قسم المردود، ولا يثبت منها شيء كما حقق ذلك ابن عبد الهادي أتم تحقيق في الصارم المنكي، فانظره إن شئت.
والحاصل أن هذه المسألة من مسائل النزاع، والمفتى به عندنا هو ما ذكرناه لك، وعمدتنا في ذلك الحديث المتفق على صحته، وسلفنا في ذلك هو من سمينا من العلماء، ومن بدا له صحة قول فعمل به أو قلد عالما ثقة يفتي به، فلا تثريب عليه إن شاء الله.
والله أعلم.