الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالشأن في علم الحديث كالشأن في غيره من العلوم، كالفقه مثلًا، فمن كان متأهلًا للنظر في الحديث، فترجح له قول فليقل به، ومن لم يكن متأهلًا للنظر فإنه يقلد من يثق به من أهل العلم، وتبرأ ذمته بذلك، قال العراقي في ألفيته في علوم الحديث:
فاعن به، ولا تخض بالظنِ ولا تقلد غير أهل الفن.
ومن أداه نظره، أو تقليده السائغ إلى أن الحديث ثابت مثلًا فعمل بهذا القول، فهذا حكم الله في حقه، سواء وافق ما في نفس الأمر أم لا، وذمته بريئة بذلك؛ لأنه فعل ما يقدر عليه، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وليس معنى الاختلاف في تصحيح حديث أن الوحي غير محفوظ، بل قد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون من النصوص ما هو قطعي الثبوت، كالقرآن، والحديث المتواتر، ومنها ما هو ظني الثبوت، كما أن من النصوص ما هو قطعي الدلالة، ومنها ما هو ظني الدلالة، والاختلاف في تصحيح الأحاديث من أكبر أسباب وقوع الخلاف بين العلماء، ولذلك حكم جليلة لعل من أهمها: تكثير أجور المجتهدين بما يتجشمونه من النظر، وتتبع الطرق للخلوص لحكم على النص، ثم هم دائرون بعد استفراغ الوسع بين الأجر والأجرين، ومنها التوسيع على العوام، فيقلد كل منهم من يثق بعلمه دون تثريب، أو حرج.
والله أعلم.