الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمسلم قراءة كتاب بداية المجتهد والاستفادة منه، وما يزال العلماء قديما وحديثا على اختلاف مذاهبهم ينقلون عنه، جاء في الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون: في ترجمة ابن رشد الحفيد: من أهل قرطبة وقاضي الجماعة بها، يكنى أبا الوليد، روى عن أبيه أبي القاسم استظهر عليه الموطأ حفظا، وأخذ الفقه عن أبي القاسم بن بشكوال وأبي مروان بن مسرة وأبي بكر بن سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز وأبي عبد الله المازري، وأخذ علم الطب عن أبي مروان بن جزيول البلنسي، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، ودرس الفقه والأصول وعلم الكلام ولم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان على شرفه أشد الناس تواضعا وأخفضهم جناحا، وعني بالعلم من صغره إلى كبره حتى حكي أنه لم يدع النظر ولا القراءة مذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه وليلة بنائه على أهله، وأنه سود ـ فيما صنف وقيد وألف وهذب واختصر ـ نحوا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الأوائل وكانت له فيها الإمامة دون أهل عصره، وكان يفزع إلى فتياه في الطب، كما يفزع إلى فتياه في الفقه مع الحظ الوافر من الإعراب والآداب والحكمة حكي عنه أنه كان يحفظ شعر المتنبي وحبيب، وله تآليف جليلة الفائدة منها كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه ذكر فيه أسباب الخلاف وعلَّل ووجَّه فأفاد وأمتع به ولا يعلم في وقته أنفع منه ولا أحسن سياقا، وكتاب الكليات في الطب ومختصر المستصفى في الأصول وكتابه في العربية الذي وسمه بالضروري وغير ذلك تنيف على ستين تأليفا، وحمدت سيرته في القضاء بقرطبة وتأثلت له عند الملوك وجاهة عظيمة ولم يصرفها في ترفيع حال ولا جمع مال، إنما قصرها على مصالح أهل بلده خاصة ومنافع أهل الأندلس عامه، وحدث وسمع منه أبو بكر بن جهور وأبو محمد بن حوط الله وأبو الحسن: سهل بن مالك وغيرهم، وتوفي سنة خمسة وتسعين وخمسمائة، ومولده سنة عشرين وخمسمائة قبل وفاة القاضي جده أبي الوليد بن رشد بشهر.
والله أعلم.