الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه التصرفات إن كانت قد صدرت من أبيكم فلا شك في أنه قد أساء بذلك، وليس من حقه أن يمنعكم صلة أمّكم، ولا تجب طاعته في ذلك؛ لأن هذا من قطيعة الرحم، وقطيعتها إثم عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب ورد بشأن ذلك نصوص من الكتاب والسنة يمكن مطالعة بعضها في الفتوى رقم: 13912.
وقد أحسنتم بحرصكم على صلة أبيكم مع ما حصل منه، فهو يظل أبًا ولو قصر في حق أولاده، فذلك لا يسقط وجوب برّه عليهم، وسبق أن نبهنا على ذلك في الفتوى رقم: 293539. ولا يبدو فيما ذكرت أنه قد صدر منك عقوق تجاهه إلا في الحالة التي قلت فيها إنك رفعت صوتك عليه، فهذا من العقوق، ويتنافى مع قول الله -عز وجل-: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}، وقد جاء النهي عن السلف عن مجادلة الأب ومغالبته بالحجة؛ ففي كتاب بر الوالدين لابن الجوزي قوله: وقال يزيد بن أبي حبيب: (إيجاب الحجة على الوالدين عقوق). يعني الانتصار عليهما في الكلام. اهـ.
فتُبْ إلى الله -عز وجل- توبة نصوحًا، واستسمح أباك في ذلك، وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 29785.
ومنع أبيكم إياكم من رؤية أمّكم طيلة هذه المدة نوع من التقصير في حقكم، وقد يكون مثل هذا من عقوق الآباء للأبناء، كما في قصة عمر -رضي الله عنه- التي أوردها أبو الليث السمرقندي أنه قال لذلك الرجل: "تقول ابني يعقني! فقد عققته قبل أن يعقك"، وتجد القصة كاملة في الفتوى رقم: 190121.
وإن صح ما ذكرتم من أن زوجته الثانية تفتعل المشاكل بينكم وبين أبيكم فإنها مسيئة أيضًا، والسعي في التفريق بين الأحبة من عمل شياطين الإنس والجن. وتفويت الفرصة على الشياطين في هذه الحالة هو عين الصواب، ومن الحكمة وكمال العقل.
وأمر هذا الحمل الذي في بطن زوجته الثانية أهون من أن يكون مثارًا للخلاف بينكم وبين أبيكم، فهو أولًا ليس ملزمًا شرعًا بأن يخبركم بأمره، ولو فعل ربما كان أفضل، فنحسب أن كمال عقلكم يقتضي أن لا تجعلوا هذا الأمر مثارًا للخلاف معه، فربما استغل الشيطان ذلك وتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، فانصرفوا عن هذا راشدين إلى ما ينفعكم من أمر دينكم ودنياكم، واعملوا على ما يقوي الصلة بينكم وبين أبيكم، وأكثروا من دعاء الله -عز وجل- وسؤاله التوفيق في ذلك كله.
والله أعلم.