الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن راتب التقاعد في حكمه تفصيل سبق بيانه في الفتوى رقم: 1809، فراجعيها للأهمية، ففيها بيان كونه دائرا بين أن يكون للورثة، وبين أن يكون لمن جعلته له الجهة المانحة، فليكن ذلك منك محل اعتبار.
وأما الحجر على من كبرت سنه وتغير عقله، فجمهور العلماء على مشروعيته، فيرفع أمره إلى القاضي، لأنه المخول بالحكم في أمر الحجر، ويجب حينئذ حفظ ماله حتى يبت القاضي في أمره، فإن حكم بالحجر عليه وأقام من يتولى أمره فلا يجوز له ـ فضلًا عن غيره ـ التصدق من ماله، ولا الهبة منه بغير عوض، بل يجب عليه ألا يتصرف فيه إلا بالأحظ له، وراجعي الفتوى رقم: 228823.
وعلى ذلك، فلا يجوز لك أن تأخذي من مال أمك شيئا، إلا إذا كانت نفقتك واجبة عليها، لغناها وفقرك وعدم من تجب عليه نفقتك من الأصول والفروع غيرها، فحينئذ يجوز لك أن تنفقي على نفسك من مالها بالمعروف دون زيادة، وراجعي الفتوى رقم: 44020.
وكذلك إذا لم تكن نفقتك واجبة عليها، وكنت أنت القائمة بأمورها، وكنت فقيرة محتاجة للنفقة، فلك أن تأكلي من مالها بالمعروف، كحال القائم على مال اليتيم في قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 6}.
على خلاف بين أهل العلم في تفاصيل ذلك، وهل يرد إذا أيسر أم لا؟ وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 10970، 148993، 111639.
وعلى ذلك، فما أنفقتِهِ فوق الحاجة يجب عليك رد مثله أو قيمته مطلقا، ومن ذلك قيمة الهاتف والأضحية التي ضحيت بها عن نفسك.
أما الأضحية عن أمك، ففي مشروعيتها في حال الحجر عليها خلاف بين أهل العلم، سبق بيانه في الفتوى رقم: 102829.
وأما الراتب التقاعدي الذي قدمت معاملة لتحصيله منذ وفاة والدك، فإنه إذا كان في حكم المتيقن حصوله، ولا يحتاج إلا إلى وقت إنجاز المعاملة، فلا يبعد أن يكون حكمك فيه كحكم من له مال غائب، فيكون ما أنفقته على نفسك دينا في ذمتك معلقا بحصول هذا الراتب، جاء في كفاية الأخيار لتقي الدين الحصني الشافعي: لو كان للابن مال غائب لزم الوالد أن ينفق عليه قرضا موقوفا، فإن قدم ماله رجع عليه بما أنفق، وإن لم يأذن الحاكم إذا قصد الرجوع وإن هلك المال لم يرجع بما أنفق من حين التلف، قاله الماوردي. اهـ.
وعلى ذلك، فإذا استلمت ما تجمع من رواتب السنة والنصف الماضية، فعليك رد ما أنفقته على خاصة نفسك إلى مال أمك.
وبخصوص زكاة الفطر: فإنها تجب في مال المجنون ونحوه، جاء في المجموع للنووي: فإن أبا حنيفة ـ رحمه الله ـ وافقنا على إيجاب العُشْر في مال الصبي والمجنون، وإيجاب زكاة الفطر في مالهما... اهـ.
وأما كفارة اليمين: فلا تجب على مغلوب على عقله، لأنه غير مكلف، قال البهوتي في كشاف القناع: فلا تنعقد يمين النائم ولا يمين الصغير قبل البلوغ، ولا يمين المجنون ونحوهم كزائل العقل بشرب دواء، أو محرم مكرها، لحديث: رفع القلم عن ثلاث... اهـ.
ولذلك، فما أعطيته لأخيك من مال أمك ليكفر عن يمينها لا بد من ضمانه، ولاسيما والحال كما ذكرت: كنت متأكدة أن أخي كان يشتري بها ملابس للعيد لأولاده! ولا يعفيك من ضمان هذا المال أنك كنت جاهلة بالحكم، فإن الجهل يسقط الإثم ولكنه لا يسقط الضمان، قال السيوطي في الأشباه والنظائر: اعلم أن قاعدة الفقه: أن النسيان والجهل، مسقط للإثم مطلقا، وأما الحكم: فإن وقعا في ترك مأمور لم يسقط، بل يجب تداركه، ولا يحصل الثواب لمترتب عليه لعدم الائتمار، أو فعل منهي، ليس من باب الإتلاف، فلا شيء فيه، أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان، فإن كان يوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها. اهـ.
وقال ابن عثيمين في شرح الأربعين النووية: جميع المحرّمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً، فلا شيء عليه فيما يتعلق بحق الله، أما حق الآدمي فلا يعفى عنه من حيث الضمان، وإن كان يُعفى عنه من حيث الإثم. اهـ.
وأخيرا ننبه السائلة على أن التضييق في التصرف في أموال المحجور عليهم ليس فقط لتعلق حقهم به، وإنما كذلك لتعلق حقوق ورثتهم من بعدهم بهذا المال.
والله أعلم.