الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنك معذورة بالجهل فيما كان يصدر منك مما لا تعلمين حرمته؛ فإن حكم الشرع لا يلزم المكلف إلا بعد البلاغ، ولكنه يلزم تعلم التوحيد ونواقضه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: من دعا غير الله، وحجّ إلى غير الله؛ هو أيضًا مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالمًا بأن هذا شرك محرّم، كما أن كثيرًا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار، وغيرهم، وعندهم أصنام لهم صغار من لبد، وغيره، وهم يتقرّبون إليها، ويعظّمونها، ولا يعلمون أن ذلك محرّم في دين الإسلام، ويتقرّبون إلى النار أيضًا، ولا يعلمون أن ذلك محرّم؛ فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام، ولا يعلم أنه شرك، فهذا ضالّ، وعمله الذي أشرك فيه باطل، لكن لا يستحقّ العقوبة حتى تقوم عليه الحجة؛ قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22]. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحده، وما يجحده حتى تقوم عليه الحجة.
وكنت دائمًا أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: إذا أنت متّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذّبنّي عذابًا ما عذّبه أحدًا من العالمين. ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له. فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذرّي، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلًا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك. اهـ.
ثم إنه يحكم على المرتد بالإسلام بمجرد الصلاة؛ كما قال صاحب الروض المربع معلقًا على قول صاحب زاد المستقنع: فإن صلّى فمسلم حكمًا): فإن صلّى الكافر على اختلاف أنواعه في دار الإسلام، أو الحرب جماعة، أو منفردًا بمسجد، أو غيره فمسلم حكمًا، فلو مات عقب الصلاة فتركته لأقاربه المسلمين، ويغسّل، ويصلَّى عليه، ويدفن في مقابرنا. اهـ.
والله أعلم.