الحمد ،لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإن زمانًا تقام فيه مثل هذه المسابقات لزمان شر، وفساد! وما كنا نظن أن مثل هذا يحتاج إلى أن يُسأل عنه! فإن الإسلام قد زان أهلَه، وحلَّى أمته بالعفة، والحياء، والفضائل، ومكارم الأخلاق، على عكس ما تقام لأجله مثل هذه المسابقات الخليعة المريعة، التي تنم عن انحراف فطر أصحابها القائمين عليها، وانغماسهم في الغي، وتفننهم في إشاعة الفاحشة، وإلهاء الناس بشهوات البدن، وزخارف الدنيا، وقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:19-21].
والناظر إلى حال هؤلاء، وأثرهم في مجتمعاتهم فسادًا وإفسادًا، يجدها على النقيض من فعل الراشدين من الخلفاء المهديين، والأئمة المرضيين التي قادوا مجتمعاتهم إلى أصلح الأحوال.
فهؤلاء يجهدون في إبداء العورات، وإبراز المفاتن، وإشغال الأمة بشهوات الغي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم، وفروجكم، ومضلات الهوى. قال المنذري: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في معاجمه الثلاثة، وبعض أسانيدهم رواته ثقات. اهـ. وصححه الألباني.
وأما أولئك فيسعون إلى صيانة المجتمع، وحفظه من أسباب الفساد، وذرائعه، ومضلات الفتن، فإذا وجدوا جمالًا لافتًا فوق العادة، عملوا على ستره، وإبعاده؛ درءًا للفتنة عن المجتمع، وتقديمًا للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، كما فعل الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مع الرجال الذين تشببت بهم النساء، وهتفن بأسمائهم، قال الدكتور عبد السلام آل عيسى في رسالته العلمية (دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية) وهو يعدد جوانب التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع، ومنها: الاهتمام بالنواحي الأخلاقية، ومن مظاهره: إزالة أسباب الفتنة، وانتشار الرذيلة، ومن سبله: نفي، وإبعاد من يخشى منه الفتنة، قال: أخرج عمر ـ رضي الله عنه ـ من المدينة من يخشى منه إثارة الفتنة بين الرجال والنساء، ونشر الرذيلة والفاحشة؛ قطعًا لشره، وحماية للأمة منه... ومن الآثار الدالة بمجموعها على إخراج عمر -رضي الله عنه- من يخشى منه الفتنة على النساء: ما روي من أن عمر -رضي الله عنه- خرج يعس ذات ليلة، فإذا هو بنسوة يتحدثن، فإذا هن يقلن: أي أهل المدينة أصبح؟ فقال امرأة منهن: أبو ذؤيب. فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم، فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس، فقال له عمر: أنت والله ذئبهن مرتين أو ثلاثاً، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها، قال: فإن كنت لا بد مسيرني فسيرني حيث سيرت ابن عمي - يعني نصر بن حجاج، فأمر له بما يصلحه، وسيره إلى البصرة.
وروي أن رجلاً يقال له: معقل، وكان رجلاً جميلاً، ويخشى منه على النساء الفتنة، فسمع عمر -رضي الله عنه- رجلاً يقول:
أعوذ بالله من شر معقل إذا معقل راح البقيع مرجلاً.
فأرسل عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى معقل: أن الحق ببادية قومك، ولا ترح إلى المدينة ما دام هذا غازيًا حتى يرجع.
ومن ذلك ما روي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ بينما كان يعسّ ذات ليلة إذا امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج.
فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من أحسن الناس شعرًا، وأصبحهم وجهًا، فأمره عمر أن يطم شعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسنًا، فأمر عمر أن يعتم، ففعل، فازداد حسنًا، فقال: "لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها، فأمر له بما يصلحه، وأمر به إلى البصرة. اهـ.
ولا يخفى مدى المباينة بين هذا المسلك الرشيد من عمر ـ رضي الله عنه ـ وبين السلوك المشين، والخلق الذميم الذي تنتجه مثل هذه المسابقات.
والمقصود أن أصل فكرة هذه المسابقات مرفوض، ويزداد الأمر سوءًا بالوقوف على تفاصيل ما يقع فيها من محاذير، ومنكرات شرعية، وما يترتب عليها مفاسد سلوكية، وأخلاقية.
والله أعلم.