الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت أمك قد نذرت هذا النذر لصاحب هذا المقام، فهو نذر لغير الله، وهو شرك بالله -عز وجل-، فيجب على أمك أن تتوب لله تعالى، ولا يلزمها شيء؛ لأن نذرها هذا غير منعقد؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: والنذر للمخلوقات أعظم من الحلف بها، فمن نذر لمخلوق لم ينعقد نذره، ولا وفاء عليه باتفاق العلماء؛ مثل من ينذر لميت من الأنبياء، والمشايخ، وغيرهم، كمن ينذر للشيخ جاكير، وأبي الوفاء، أو المنتظر، أو الست نفيسة، أو للشيخ رسلان، أو غير هؤلاء، وكذلك من نذر لغير هؤلاء زيتًا، أو شمعًا، أو ستورًا، أو نقدًا -ذهبًا، أو دراهم-، أو غير ذلك؛ فكل هذه النذور محرمة باتفاق المسلمين، ولا يجب؛ بل ولا يجوز الوفاء بها باتفاق المسلمين، وإنما يوفي بالنذر إذا كان لله -عز وجل-، وكان طاعة؛ فإن النذر لا يجوز إلا إذا كان عبادة، ولا يجوز أن يعبد الله إلا بما شرع، فمن نذر لغير الله فهو مشرك أعظم من شرك الحلف بغير الله، وهو كالسجود لغير الله. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: وهذا النذر لغير الله لا ينعقد إطلاقًا، ولا تجب فيه كفارة، بل هو شرك تجب التوبة منه؛ كالحلف بغير الله؛ فلا ينعقد، وليس فيه كفارة. انتهى.
وأما إن كان نذرها لله لكنه كان على هذا المقام، أو الضريح لعمارته، ونحو ذلك، فنذرها هذا نذر معصية، لا يجوز لها الوفاء به، ويجب عليها التوبة منه، وفي لزوم الكفارة لها قولان، ومذهب الجمهور أنه لا تلزمها كفارة؛ قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وَكَذَلِكَ النَّذْرُ لِلْقُبُورِ، أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، كَالنَّذْرِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، أَوْ لِلشَّيْخِ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٍ، أَوْ لِبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَوْ غَيْرِهِمْ، نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ، بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ». وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ، وَالسُّرُجَ». فَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَبْنِي عَلَى الْقُبُورِ الْمَسَاجِدَ، وَيُسْرِجُ فِيهَا السُّرُجَ؛ كَالْقَنَادِيلِ، وَالشَّمْعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا مَلْعُونًا، فَاَلَّذِي يَضَعُ فِيهَا قَنَادِيلَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَشَمْعِدَانَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْقُبُورِ أَوْلَى بِاللَّعْنَةِ، فَمَنْ نَذَرَ زَيْتًا، أَوْ شَمْعًا، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ سِتْرًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، لِيُجْعَلَ عِنْدَ قَبْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَوْ الْقَرَابَةِ، أَوْ الْمَشَايِخِ، فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ الصَّالِحِينَ، كَانَ خَيْرًا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنْفَعَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ، يُثِيبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، وَلَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. انتهى.
والحاصل: أنه لا يلزمك اصطحاب أمك إلى هذا المقام، بل ولا يجوز الوفاء بهذا النذر؛ لأنه إما نذر لغير الله فيكون شركًا غير منعقد، وإما نذر معصية، وهو محرم لا يجب الوفاء به -على التفصيل الذي مرّ-.
والله أعلم.