الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن تقدير الله خير، ومما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله في استفتاح الصلاة ثناء على الله تعالى: لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك. رواه مسلم.
فكل ما يجيء من الله فهو نافع جميل في مجموعه، وقد يكون ضارا على شخص بعينه كتقدير المرض على شخص، فهو من جهة تألم وتأذ، ومن جهة يؤجر عليه إذا لم يتسخط قدر الله، وكخلق إبليس فهو شر عليه وعلى كثير من الخلق، ولكن يترتب على خلقه أنواع من العبادات المحبوبة إلى الله كعبودية الاستعاذة، ومجاهدة أولياء الشيطان. قال العثيمين ـ رحمه الله ـ في عقيدة أهل السنة والجماعة: ونؤمن بأن الشر لا ينسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته، قال النبي صلى الله عليه وسلم "والشر ليس إليك" رواه مسلم. فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شر أبداً، لأنه صادر عن رحمة وحكمة، وإنما يكون الشرُّ في مقتضياته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت الذي علّمه الحسن: "وقني شر ما قضيت" فأضاف الشر إلى ما قضاه، ومع هذا فإن الشر في المقتضيات ليس شراً خالصاً محضاً، بل هو شر في محله من وجه، خير من وجه، أو شر في محله، خير في محل آخر، فالفساد في الأرض من الجدب والمرض والفقر والخوف شر، لكنه خير في محل آخر، قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41) . وقطع يد السارق ورجم الزاني شر بالنسبة للسارق والزاني في قطع يد السارق وإزهاق النفس، لكنه خير لهما من وجه آخر، حيث يكون كفارة لهما فلا يجمع لهما بين عقوبتي الدنيا والآخرة، وهو أيضاً خير في محل آخر، حيث إن فيه حماية الأموال والأعراض والأنساب. انتهى.
وقال ابن القيم في شفاء العليل: الفرق الخامس أن الحسنة مضافة إليه لأنه أحسن بها من كل وجه وبكل اعتبار -كما تقدم- فما من وجه من وجوهها إلا وهو يقتضي الإضافة إليه، وأما السيئة فهو سبحانه إنما قدرها وقضاها لحكمته، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه، فإن الرب سبحانه لا يفعل سوءا قط كما لا يوصف به ولا يسمى باسمه، بل فعله كله حسن وخير وحكمة؛ كما قال تعالى: بيده الخير، وقال أعرف الخلق به: "والشر ليس إليك" فهو لا يخلق شرا محضا من كل وجه؛ بل كل ما خلقه ففي خلقه مصلحة وحكمة وإن كان في بعضه شر جزئي إضافي، وأما الشر الكلي المطلق من كل وجه فهو تعالى منزه عنه وليس إليه. انتهى.
وراجع للفائدة الفتوى: 130562.
والله أعلم.